203

Jamic Li Ahkam Quran

الجامع لاحكام القرآن

Tifaftire

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

Daabacaha

دار الكتب المصرية

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

Goobta Daabacaadda

القاهرة

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يَشْعُرُونَ) أَيْ يَفْطِنُونَ أَنَّ وَبَالَ خَدْعِهِمْ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا بِخَدْعِهِمْ وَفَازُوا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ يُقَالُ لَهُمُ:" ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا" [الحديد: ١٣] عَلَى مَا يَأْتِي «١». قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: شَعُرْتُ بِالشَّيْءِ أَيْ فَطِنْتُ لَهُ، وَمِنْهُ الشَّاعِرُ لِفِطْنَتِهِ، لِأَنَّهُ يَفْطِنُ لِمَا لَا يَفْطِنُ لَهُ غَيْرُهُ مِنْ غَرِيبِ الْمَعَانِي. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَيْتَ شِعْرِي، أي ليتني علمت.
[سورة البقرة (٢): آية ١٠]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَالْمَرَضُ عِبَارَةٌ مُسْتَعَارَةٌ لِلْفَسَادِ الَّذِي فِي عَقَائِدِهِمْ. وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَكًّا وَنِفَاقًا، وَإِمَّا جَحْدًا وَتَكْذِيبًا. وَالْمَعْنَى: قُلُوبُهُمْ مَرْضَى لِخُلُوِّهَا عَنِ الْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالرِّعَايَةِ وَالتَّأْيِيدِ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ: الْمَرَضُ كُلُّ مَا خَرَجَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الصِّحَّةِ مِنْ عِلَّةٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي أَمْرٍ. وَالْقُرَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى فَتْحِ الرَّاءِ مِنْ" مَرَضٌ" إِلَّا مَا رَوَى الْأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ سَكَّنَ الرَّاءَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) قِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ. وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: زَادَهُمُ اللَّهُ شَكًّا وَنِفَاقًا جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَعْفًا عَنْ الِانْتِصَارِ وَعَجْزًا عَنِ الْقُدْرَةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا مُرْسِلَ الرِّيحِ جَنُوبًا وَصَبَا ... إِذْ غَضِبَتْ زَيْدٌ فَزِدْهَا غَضَبَا
أَيْ لَا تَهُدُّهَا عَلَى الِانْتِصَارِ فِيمَا غَضِبَتْ مِنْهُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالطَّرْدِ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ زِيَادَةِ مَرَضِهِمْ، أَيْ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:" فَزادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ «٢» " [التوبة: ١٢٥]. وَقَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِيَ:" فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" أَيْ بِسُكُونِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا وَحُبِّهِمْ لَهَا وَغَفَلَتِهِمْ عَنِ الْآخِرَةِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ:" فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا" أَيْ وَكَلَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ هُمُومَ الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَى اهْتِمَامٍ بِالدِّينِ." وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ" بِمَا يَفْنَى عَمَّا يَبْقَى. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: عِلَلُ الْقُلُوبِ مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، كَمَا أَنَّ عِلَلَ الْجَوَارِحِ مِنْ مَرَضِ البدن.

(١). راجع ج ١٧ ص ٢٤٦.
(٢). راجع ج ٨ ص ٢٩٩ [.....]

1 / 197