مقدمة المؤلف [1 / ب] (1) في الخلاف بين المذاهب فمن يطالعها يقف على الخلاف ولم يقف على الوفاق وليس لهم كتاب يشتمل على هذا الوصف كما لغيرهم من الحنفية والشافعية.
وقد تطاولت الأيام وتمادت الأعوام حتى بلغت من السنين سبعين وزيادة ولم أقف على كتاب فيه هذه الفائدة فشرعت في جمع هذا الكتاب مستعينا بالله الذي نطلب منه السداد والصواب فكتبت هذا القسم من أوله إلى آخره كتابا بعد كتاب وفصلا بعد فصل ومسألة بعد مسألة وذكرت عند كل مسألة من وفاقه وخلافه وكان همي أن اقتصر على ذكر خلاف أبي حنيفة والشافعي... إلا (2) أني رأيت مسألة خالف فيها أبو حنيفة فقلت خلافا له وأخرى خالف فيها الشافعي فقلت خلافا له وأخرى كانا يوافقان فيها وخالف غيرهما فقلت وفاقا لهما وخلافا له!
وذكرت في أول الكتاب خلاف أحدهما وأهملت وفاق الآخر اعتمادا على فهمه منه وتغير همي من ذلك فذكرت خلافه ووفاق الآخر.
وألحقت لكل فصل من فصوله من المسائل ما لم يذكره المصنف والحاجة ماسة إلى ذكرها.
وكان مرجعي في تعيين المخالف إلى مسائل الخلاف للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه ولم اقتصر عليه بل راجعت إلى كتب الحنفية والشافعية فإن وافقها كتبت وإن خالفها قلت في
Bogga 13
النافع (1) والقدوري (2) أو البداية (3) للحنفية كذا وفي الهادي (4) أو الوجيز! والخلاصة للشافعية كذا (5).
وإذا رأيت في الخلاف مسألة خالفت ما في الغنية قلت: في الخلاف للشيخ كذا.
فصار هذا الكتاب كتابا كاملا في الفقه حاويا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأبي حنيفة والشافعي وغيرهما رضوان [2 / أ] الله عليهم أجمعين، وشرحا للقسم الثالث من الكتاب المذكور فمن طالعه عرف المذاهب الثلاثة وغيرها.
وسميته كتاب جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق وأعني بأئمة الحجاز الشافعي وأصحابه وبأئمة العراق أبا حنيفة وأتباعه فالحمد لله على تمامه وكماله والصلاة على محمد وآله وأصحابه الراشدين المرشدين الذين قضوا بالحق وبه يعدلون.
إعلم أن أركان عبادات الشرع خمسة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد.
Bogga 14
الصلاة كتاب الصلاة شرائط الصلاة على ضربين: أحدهما: يشترك فيه الوجوب وصحة الأداء، والآخر يختص [ب] صحة الأداء.
فالأول على ضربين: ضرب يشترك فيه الرجال والنساء، وهو ثلاثة:
البلوغ، وكمال العقل، ودخول الوقت.
وضرب يختص [ب] النساء وهو: انقطاع دم الحيض والنفاس.
وما يختص صحة الأداء ثمانية: الإسلام، والطهارة، وستر العورة مع الإمكان، وطهارة البدن، والثياب، وموضع السجود بالجبهة، والنية، واستقبال القبلة، والقيام مع الإمكان " (1).
أما الكافر، فيجب عليه الصلاة ولا تصح منه خلافا للحنفية وبعض الشافعية (2).
في المعالم: الكفار مخاطبون بفروع الشرايع بمعنى أنهم كما يعاقبون يوم القيامة على ترك الإيمان، كذلك يعاقبون على عدم إتيانهم بالصلاة والزكاة (3).
لنا أن شرائط التكليف حاصلة له، فيجب أن يكون مكلفا كالمسلم. وأما الكفر المانع من صحة الأداء فبمنزلة الحدث للمسلم يجب عليه إزالته بالإيمان حتى يصح منه الصلاة كالمسلم المحدث.
Bogga 15
ولأنه داخل تحت عموم الخطاب في قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (1) وهو من الناس فيكون داخلا تحت الخطاب فيكون مخاطبا بالعبادات [2 / ب] الشرعية (2).
وأما النية فنذكر الخلاف فيها (3).
الطهارة فصل [في الطهارة] وأما الطهارة فعلى ضربين: طهارة عن حدث وطهارة عن نجس.
فالأول على ضربين: وضوء وغسل، أو ما يقوم مقامهما من التيمم.
والأحداث التي توجب الوضوء خمسة: البول، والغائط، والريح، ودم الاستحاضة المخصوصة، وما يفقد معه التحصيل من نوم أو مرض.
والتي توجب الغسل: الجنابة والحيض ودم الاستحاضة المخصوصة، والنفاس، ومس بشرة الميت من الناس بعد برده وقبل تطهيره (4).
أما البول، والغائط، فلا خلاف في نقض الوضوء بهما.
وأما المذي، والودي، فلا ينقض بهما وكذا الحصاة والدود خاليين من النجاسة خلافا لهما (5).
لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها بما يوجب الطهارة يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
قالوا: فيهما الوضوء لحديث مقداد (رضي الله عنه) (6).
أن النبي (عليه السلام) أوجب في المذي، الوضوء (7).
Bogga 16
والودي ما يخرج عقيب البول.
قلنا أما حديث مقداد، فمعارض بحديث سلمان (1). أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أراد أن يسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن المذي فاستحيى منه لمكان فاطمة الزهراء [(عليها السلام)] عنده فسأله سلمان، فقال (صلى الله عليه وآله): لا بأس به (2). وإذا تعارض الحديثان بطل التمسك بهما.
وأما الودي، فإن كان عقيب البول، فالبول هو الموجب للوضوء لا الودي، وإن لم يكن عقيبه، فهو كالمذي.
" والخارج من غير السبيلين كالدم والقيح والقئ لا يوجب الوضوء خلافا لأبي حنيفة " (3).
لنا ما مر ذكره في المذي والودي ولأنه روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قاء فغسل فمه، فقال: هذا هو الوضوء من القئ (4).
له حديث ابن [أبي] مليكة (5) عن عائشة (6) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم (7).
قلنا: هذا الوضوء محمول على غسل القئ والرعاف ولا يحمل على انتقاض الوضوء والأصل بقائه إلى أن يدل دليل على انتقاضه.
" وأما النوم فإنه بمجرده حدث، ينقض الوضوء من غير اعتبار بأحوال النائم " (8).
خلافا لهما فإنه عند الشافعي إذا كان مقعده متمكنا من الأرض لا ينقض الوضوء.
وعند أبي حنيفة إذا كان مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى شئ لو أزيل لسقط ينقض الوضوء (9). لقوله (عليه السلام) إنما الوضوء على من نام مضطجعا (10).
Bogga 17
لنا أن الناقض للوضوء هو النوم بالاتفاق ولا اعتبار بالسقوط كما لو سقط من غير النوم، ومن اعتبر السقوط فعليه الدليل ولن يجد، " وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} (11) والمراد إذا قمتم من النوم، على ما قاله المفسرون (12) وقول النبي (عليه السلام): وأما العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ، ولم يفصل " (13).
وأما القهقهة في الصلاة فلا ينقض الوضوء خلافا لأبي حنيفة (14)، تمسكوا بحديث الأعرابي الذي في عينه سوء تردي في بئر، فضحك من خلف رسول الله فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من الصلاة فقال ألا من ضحك منكم فقهقه فليعد الوضوء والصلاة جميعا (15).
قلنا: الأصل بقاء الوضوء، والحكم بانتقاضه بالقهقهة يحتاج إلى دليل، والعدول عن الأصل إلى الظن وهو حديث الأعرابي عدول عن اليقين إلى الظن، ولأن القهقهة قبل الشروع في الصلاة لا أثر لها في نقض الوضوء فكذا يجب بعد الشروع.
وكذلك أكل لحم الجزور، أو ما مسته النار لا ينقض الوضوء (16)، وما روي من أنه (صلى الله عليه وآله) توضأ منه (17)، فهو محمول على غسل اليدين كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الترح (18).
أما لمس بشرة المرأة التي ليست بمحرم، ومس فرج الأدمي ببطن الكف، فلا ينقضان الوضوء [3 / ب] خلافا للشافعي مطلقا ولأبي حنيفة في الانتشار (19).
لنا أن الأصل بقاء الوضوء وبراءة الذمة، فمن حكم بانتقاضه واشتغال الذمة به يحتاج إلى دليل ولا يصح التمسك لقوله تعالى: {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} (20) لأن المراد بالملامسة المجامعة وهي موجبة للغسل. بيانه أنه تعالى لما بين الطهارة من الوضوء والغسل بالماء في قوله: {وإذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} بينهما لمن لم يجد الماء كيف يعمل فقال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء
Bogga 18
أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ولأن لمس المرأة التي ليست بمحرم لو نقض الوضوء لنقضه لمس التي هي محرم والثاني باطل فالأول مثله بيان الملازمة أن كليهما محل الشهوة، والتحريم الوارد في الشرع لا يخرجها عن محل الشهوة.
" ويجب على المكلف أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط مع الإمكان، لا في الصحاري ولا في البنيان " (1).
خلافا للشافعي في البنيان (2) " لنا قوله (صلى الله عليه وآله): (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط) ولم يفصل.
ويستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر، ولا يحدث في الماء الجاري ولا الراكد الكثير، وأن يتقي بالبول الأرض الصلبة وجحرة (3) الحيوان واستقبال الريح ولا يحدث في شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، وجواد الطرق.
ويستحب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج، والدعاء عندهما وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه. وعلى جميع ذلك إجماع الإمامية.
ويجب الاستنجاء من البول والغائط " (4).
خلافا لأبي حنيفة فإنه سنة عنده (5).
لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله، وقد دل الشرع [4 / أ] والإجماع على وجوب اتباعه والتأسي به، فيجب علينا فعله إلا أن يدل دليل على أنه ندب.
" أما البول، فيجب الاستبراء منه أولا بنتر القضيب والمسح من مخرج النجو إلى رأسه ثلاث مرات، ولا يجزئ (6) في إزالته إلا الماء مع وجوده، وكذلك باقي الأحداث التي يجب منها الاستنجاء إلا الغائط " (7). خلافا لهما. (8) وكيفية الاستنجاء عن البول عند الشافعي أن يأخذ القضيب بيساره والحجر بيمينه
Bogga 19
ويحرك باليسرى بعد أن يتنحنح ويستبرئ ويستعمل الحجر (1) كما نذكره في الاستنجاء عن الغائط.
" وأما الغائط فإنه يجوز في إزالته الأحجار مع وجود الماء، أو ما يقوم مقامها من الجامد المزيل للعين، سوى المطعوم والعظم والروث.
ومن السنة أن تكون ثلاثة " (2) خلافا للشافعي فإنه لا يجيز أقل من ثلاثة أو حجر واحد له ثلاثة أحرف (3).
لنا أن المقصود إنما هو التنقية فإذا حصلت بواحد واثنين فلا يجب الزائد.
له قوله (صلى الله عليه وآله): من استنجى فليستنج بثلاثة أحجار (4).
قلنا: والأمر قد يحمل على الندب بدليل، دليله أن الأصل براءة الذمة من الزائد إذا طهر بواحد أو اثنين وكيفيته أن يأخذ الحجر بيساره ويضعه على موضع طاهر ويديره على جميع المحل.
وخلافا لأبي حنيفة لأنه ليس عنده فيه عدد مسنون (5).
له قوله (صلى الله عليه وآله): من استجمر فليوتر ومن فعل فحسن ومن لا، فلا حرج (6).
واستنجاؤه بالماء أفضل، والجمع بين الحجارة والماء أكمل وأفضل، ما لم يتعد النجو مخرجه، فإن تعداه لم يجز فيه إلا الماء (7).
لأن البدن له حرارة جاذبة أجزاء النجاسة فلا يطهر بالمسح وأما مخرج النجاسة فللضرورة.
ولا يستنجي بعظم لأنه طعام الجن، ولا بروث لأنه طعام دوابهم كذا ورد في الأخبار (8) ولا بمطعوم لأنه إسراف وقبيح، ولا بيمينه لقوله (صلى الله عليه وآله): اليمنى للوجه واليسار للمقعد (9) والقسمة يوجب قطع [4 / ب] الشركة.
Bogga 20
فصل " والجنابة تكون بشيئين: بخروج المني على كل حال، وبالجماع في الفرج، وحده أن تغيب الحشفة فيه، وإن لم ينزل " (1) والدفق والشهوة ليسا بشرطين خلافا لهما (2).
لنا أن الطبيعة إذا كانت ضعيفة بسبب المرض لا دفق له عند الخروج وكذا إذا سقط عن علو فلا لذة له عند خروجه. " ويحرم على الجنب دخول المساجد، لا العبور، ووضع شئ فيها إلا المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه لا يجوز دخولهما على كل حال، وإن احتلم فيهما تيمم وخرج.
ويحرم عليه قراءة العزائم الأربع ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، وإقرأ " (3) ولا يحرم ما عداها خلافا للشافعي فإنه قال: يحرم عليه القليل والكثير، ولأبي حنيفة فإنه قال: يقرأ دون الآية لنا أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} (4) (5)، والأمر المطلق إذا توجه إلى مأمور تناول جميع أحواله، والسور الأربع خارجة عن عموم الأمر بدليل وهو الإجماع.
" ويحرم عليه مس كتابة المصحف، أو اسم من أسماء الله تعالى، [أ] وأسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) " (6) وعلى الحائض والنفساء أيضا وعلى المحدث في رواية (7).
ولا بأس أن يمس أطراف الأوراق والمصحف. خلافا للشافعي فإنه يحرم عليهم عنده مس المصحف وحمله ومس الجلد وحواشيها وتقليب أوراقه باليد والخشب. لنا الأصل الإباحة إلا أن يدل دليل على المنع (8).
له قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} (9). قلنا: الضمير للقرآن وهو المكتوب المقروء أو للكتاب وهو اللوح {لا يمسه إلا المطهرون} وهم الملائكة.
" ويكره للجنب الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق والنوم إلا بعد الوضوء والخضاب، والدليل على هذا إجماع الإمامية " (10) وفيه الحجة كما بين في أصول الفقه.
Bogga 21
فصل [5 / أ] دم الحيض هو الحادث في الزمان المعهود له أو المشروع في زمان الالتباس على أي صفة كان، وكذا دم الاستحاضة، إلا أن الغالب على دم الحيض الغلظ والحرارة والتدفق والحمرة المائلة إلى الاسوداد، وعلى دم الاستحاضة الرقة والبرودة والاصفرار.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة (1).
خلافا للشافعي فإن أقل الحيض عنده يوم وليلة وفي قوله الثاني: يوم بلا ليلة وأكثره خمسة عشر يوما (2).
لنا أنه لا خلاف أن من الثلاثة إلى العشرة من الحيض، ولا دليل في الشرع أن ما نقص عن الثلاثة وزاد على العشرة منه (3).
وأيضا روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا.. الحيض ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، عشرة، دل هذا الاقتصار على منع الزيادة والنقصان.
" وأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام " (4). خلافا لهما لأنه عندهما خمسة عشر يوما (5).
لنا مثل: ما قلنا قبل من أن العشرة لا خلاف فيها أنها من أقل الطهر ولا دليل على الزيادة، ولا حد لأكثره.
" فإذا رأت المبتدئة الدم وانقطع لأقل من ثلاثة أيام فليس بحيض، وإذا استمر ثلاثة كان حيضا، وكذا إلى تمام العشرة، فإذا رأت بعد ذلك كان استحاضة إلى تمام العشر الثاني لأن ذلك أقل أيام الطهر " (6).
" ويحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها الصلاة ويجب عليها الصوم تقضيه إذا طهرت " (7).
ولا يحل لزوجها وطؤها لقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} (8) وأما مباشرتها فيما فوق السرة وتحت الركبة فمباح، بلا خلاف وما بين السرة والركبة غير الفرج فيجوز،
Bogga 22
خلافا لهما وهي محرمة عندهما (1) لنا أن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى الدليل. وأما قوله تعالى: {ولا تقربوهن} فالمراد الجماع في الفرج لأن قرب الزوج ومباشرته في غير ما بين السرة [5 / ب] إلى الركبة جائز بالاتفاق، فإن وطئها وجب عليه أن يكفر في أول الحيض بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع لقوله (صلى الله عليه وآله) " من أتى أهله وهي حائض فليتصدق " (2) وهذا الأمر محمول على الندب عند بعض أصحابنا والشافعي (3).
فإن انقطع الدم جاز وطئها مطلقا إذا غسلت فرجها خلافا لأبي حنيفة فيما دون العشرة فإنه قال: لا يحل إلا بعد أن يوجد ما ينافي الحيض، والشافعي لا يحل وطؤها إلا بعد أن تستبيح فعل الصلاة، إما بالغسل أو بالتيمم عند فقد الماء (4).
لنا قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} جعل انقطاع الدم غاية لزمان الحظر، فيجب جوازه بعد ذلك على كل حال إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك قبل الغسل.
وقوله تعالى: {فإذا تطهرن} (5) محمول على غسل الفرج، أو يكون كلاما مستأنفا، ليس بشرط ولا غاية لزمان الحظر، ويجوز أن يكون بمعنى (طهرن) و (تفعل) يأتي بمعنى (فعل) نحو تطعمت الطعام وطعمته.
" والمستحاضة يلزمها إذا لوث الدم أحد جانبي الكرسف ولم يثقبه أن تغيره وتتوضأ لكل صلاة، فإذا ثقبه ولم يسل أن تغتسل لصلاة الفجر مع تغييره وتتوضأ لباقي الصلوات، وإن ثقبه وسال فعليها ثلاثة أغسال: غسل للفجر وغسل للظهرين وغسل للعشائين وحكمها حكم الطاهرات إذا فعلت ما ذكرناه " (6) خلافا لأبي حنيفة، فإن حكم دم الاستحاضة عنده حكم الرعاف، لا يمنع الصلاة والصوم والوطئ (7) لقوله (صلى الله عليه وآله): للمستحاضة (: توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير فإنما هو دم عرق انفجر " (8) إلا أنه يقول تتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل وإذا خرج الوقت بطل الوضوء (9).
وقال الشافعي: تتوضأ لكل فرض (10).
Bogga 23
لنا وللشافعي أن خروج الدم ناقض للوضوء اتفاقا فإذا خرج [6 / أ] بعد الوضوء نقض والحديث لا ينافي مذهبنا لأنها إذا توضأت لوقت كل فرض فقد توضأت لوقت كل صلاة وأيضا إذا غسلت وتوضأت وصلت كما ذكرناه برئت ذمتها بيقين ولا يقين في غير ما ذكرناه.
وإذا استمر بالمبتدئة الدم الشهر والشهرين، فإن تميز لها الدم عملت على التمييز، وإن كانت لها عادة فعلى عادتها وإن لم تكن لها عادة أو اختلفت رجعت إلى عادة نسائها وإلا تركت الصلاة في الشهر الأول ستة أيام وفي الثاني عشرة أيام أو تركت في كل شهر سبعة أيام (1).
فصل " دم النفاس هو الحادث عقيب الولادة، وأكثره عشرة أيام " (2) خلافا للمذهبين، فإنه عند الحنفية أربعون يوما. وعند الشافعية ستون يوما وأغلبه عندهم أربعون يوما.
لنا أنه لا خلاف أن العشرة من النفاس والزائد لا بد له من دليل (3).
قالوا: لأنه أكثر من أكثر مدة الحيض بأربعة أضعافه ولا حد لقليله اتفاقا (4).
والحامل المستبين حملها لا تحيض، خلافا للشافعي في الجديد (5) لنا أن الدم يجتمع في الرحم أربعة أشهر ثم بعد ذلك يصير غذاء للولد كما قال النبي (عليه السلام): يمكث أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم أمر الله سبحانه ملكا ينفخ فيه الروح (6).
إذا ولدت ولدين، اعتبر نفاسها من الأول، وآخره من الثاني، لأن كل واحد من الدمين يستحق الاسم بأنه نفاس فعددنا من الأول، واستوفينا من الثاني (7).
" وأما من مس الميت فقد ذكرنا أنه حدث يوجب الغسل إذا كان بعد برده بالموت قبل تطهيره بالغسل " (8). خلافا لهما (9).
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): (من مس ميتا فليغتسل) (10) والأمر في الشرع بظاهره يقتضي الوجوب ولا يحمل على الندب إلا بدليل.
Bogga 24
فصل والطهارة عن النجس عبارة عن إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والنجاسة هي بول وخرء ما لا يؤكل [6 / ب] لحمه بلا خلاف، وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا، وإذا لم يكن جلالا فلا بأس ببوله وروثه (1). خلافا للشافعي مطلقا (2).
لنا أن الأصل الطهارة، فلا بد للحكم بالنجاسة من دليل " وقوله (عليه السلام): (ما أكل لحمه فلا بأس ببوله وسلحه)، والخمر نجسة بلا خلاف ممن يعتد به لقوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} (3) والرجس والنجس والرجاسة والنجاسة بمعنى.
وكذا كل شراب مسكر نجس وكذا الفقاع " (4) خلافا لهما (5).
لنا أن كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وكل ما كان كذلك فهو نجس، فالفقاع نجس، أما أن كثيره مسكر فمعلوم بالامتحان، ولأن شربه منهي عنه، كما سنذكره في بابه (6) إن شاء الله تعالى.
" وكذا الدم إلا الدماء الثلاثة - الحيض والاستحاضة والنفاس - إلا أنه تجوز الصلاة في ثوب أصابه دم غيرها من الدماء المسفوحة إذا نقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي " (7) خلافا للشافعي فإنه نجس عنده (8).
لنا إجماع الإمامية، وإن في التنزه والتحفظ عنه حرجا، لأنه يظهر على بدن الإنسان بالحك والخدش والشوك ولا حرج في الدين لقوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} (9).
وإذا لم ينقص عن الدرهم ولم يزد عليه لا يجوز الصلاة معه خلافا لأبي حنيفة (10). لنا أنا وإياه اتفقنا على جواز الصلاة إذا نقص وإذا ادعى جواز الصلاة معه إذا لم ينقص فعيله الدليل.
ودم السمك طاهر لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} (11) لأنه يقتضي إباحة السمك بجميع أجزائه وكذا دم البق والبراغيث خلافا للشافعي (12) لنا إذا لم يتفاحش أن
Bogga 25
النجاسة حكم شرعي وليس في الشرع ما يدل على ثبوتها فيه وأما غير الدم من النجاسات فيجب إزالته قليلا كان أو كثيرا كالبول والغائط والخمر خلافا للحنفية، لأنه عندهم الصلاة معه إذا كان درهما وأقل، جائزة (1) [7 / أ].
لنا أن حمله على الدم قياس وهو يفيد الظن، ولا يجوز العمل على الظن مع إمكان العلم، ولأن النجاسة في الدرهم وما دونه معلوم فمن أجاز الصلاة معه فعليه الدليل.
" والمني من جميع الحيوانات نجس، خلافا للشافعي في مني الآدمي مطلقا، ولأبي حنيفة إذا كان يابسا فإنه لا يوجب الغسل عليه ويكفي فيه الفرك " (2).
لنا قوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} (3) وهو أثر الاحتلام، والرجز والرجس والنجس واحد، فدلت الآية على نجاسته، وأيضا وظاهر قوله تعالى: {ليطهركم} يدل على تقدم النجاسة، وقوله (صلى الله عليه وآله): (إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني).
وميتة ذوات الأنفس السائلة نجسة بلا خلاف إلا في الآدمي (4) بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل فإنه عندهما طاهر (5).
لنا أن الإجماع حاصل على نجاسة ما سواه من الميتات واستثناؤه منها يحتاج إلى دليل وأما الحكم بطهارته بعد التطهير فللإجماع.
" وأما ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد " (6). إذا مات فليس بنجس، خلافا للشافعي (7).
لنا أن النجاسة حكم شرعي، ولا دليل في الشرع، والأصل في الأشياء الطهارة، وقوله (صلى الله عليه وآله) (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه)، والمقل يوجب الموت، ولا سيما إذا كان الماء حارا ولو كان ينجس بموته لما أمر بمقله على الإطلاق.
" وشعر الميتة وصوفها طاهر إذا جز وكذا عظمها " (8)، خلافا للشافعي قال: لأنه من
Bogga 26
أجزاء الميتة (1)، لنا قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} (2)، لأنه تعالى امتن علينا بما جعله من النفع ولم يفصل بين الذكية والميتة، ولا يجوز الامتنان بما لا يجوز الانتفاع به لنجاسته، وقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} (3) لا يعارض ما ذكرناه، لأن اسم الميتة [7 / ب] لا يتناول ما تحله الحياة، وهذه لا تحله الحياة (4)، لعدم الحس والحركة فيها وإنما فيها النمو كما في النبات، والنامي لا يسمى حيا.
" وأما جلد الميتة فلا يطهر بالدباغ ". (5) خلافا للشافعي فإنه قال: كل حيوان طاهر إذا مات فجلده يطهر بالدباغ، وأبي حنيفة فإنه قال: يطهر الجميع بالدباغ إلا جلد الخنزير. (6) لنا قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} والمراد الانتفاع بها بأكل أو بيع أو غير ذلك واسم الميتة يتناول الجلد قبل الدباغ وبعده، وقوله (صلى الله عليه وآله) قبل موته بشهر: (لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب).
والخنزير نجس بلا خلاف.
والكلب نجس بلا خلاف إلا من مالك (7). (8) وما سواهما طاهر خلافا لأبي حنيفة فإن سباع البهائم عنده نجسة وكذا سؤرها. (9) ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات، أولاهن بالتراب. (10) خلافا للشافعي فإنه يوجب غسله سبع مرات من لعاب الكلب والخنزير. (11) لنا " قوله (صلى الله عليه وآله): " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات "، وفي خبر آخر " فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا "، وهذا الخبر أيضا يقتضي وجوب الثلاث من حيث أنه (صلى الله عليه وآله) لم يجوز الاقتصار على ما دونها، لأن لفظة (أو) إما أن تفيد التخيير بين هذه الأعداد، فتكون كلها واجبة على جهة التخيير، أو تفيد التخيير بين الثلاثة الواجبة وبين الزيادة عليها على جهة الندب، والأول باطل بالإجماع فثبت الثاني.
Bogga 27
والكافر نجس ". (1) خلافا لهما. (2) لنا قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} (3) وهذا نص. وكل من قال بذلك في المشرك، قال به في ساير الكفار، والتفرقة بينهما خلاف الإجماع. فإن قالوا: المراد به نجس الحكم، قلنا:
إطلاق لفظة النجاسة في الشريعة يقتضي نجاسة العين حقيقة، وحمله على الحكم مجاز، واللفظ بالحقيقة أولى من المجاز.
قالوا: لو كان نجس العين لما طهر بتجديد معنى وهو الإسلام، قلنا: الخمر نجسة العين [و] تطهر بتجديد معنى وهو الحموضة، ولا يعارض ما ذكرناه [8 / أ] {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} (4) لأن مطلق الطعام ينصرف إلى الحنطة، ولا يمكن إنكاره لأن أبا حنيفة والشافعي اختلفا فيمن وكل وكيلا على أن يبتاع طعاما، فقال الشافعي: لا يجوز أن يبتاع إلا الحنطة، وقال أبو حنيفة: دقيقها، أيضا ذكره المحاملي (5) في كتابه الأوسط في الخلاف، وذكره الأقطع (6) أيضا في آخر كتاب الوكالة في شرح القدوري. (7) فصل الماء على ضربين جار وراكد وكلاهما طاهر ومطهر ما لم تخالطه نجاسة بلا خلاف، فإن خالطته وهو جار ولم يتغير أحد أوصافه بها، فهو طهور، فإن غيرته فالمقدار المتغير نجس، وإذا لم يتغير وليس للنجاسة أثر فهو طاهر لقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (8) وهذا ما لم يخرجه مخالطة النجاسة عن إطلاق اسم الماء. (9) فيجب أن يكون طاهرا، ولأن النجاسة لا تستقر مع جريان الماء.
والراكد على ضربين ماء البئر وغير البئر.
Bogga 28
وغير البئر على ضربين قليل وكثير، فالقليل ينجس بما لاقاه من النجاسة وأما الكثير فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة، خلافا لأبي حنيفة فإنه ينجس عنده وإن لم يتغير أحد أوصافه قليلا كان الماء أو كثيرا.
والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء عنده من الجانب الآخر. (1) لنا قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (2) واختلاط النجاسة به إذا لم يتغير لم يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه كما قلنا، وإذا كان كذلك وجب العمل بالظاهر، وقوله (عليه السلام):
" إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (3). له قوله (عليه السلام): " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة "، فالأمر بحفظ الماء دل على تأثر الماء به. قلنا: هذا الأمر على سبيل الندب لا على الوجوب إذا كان الماء كثيرا، ويحمل على الوجوب إذا كان قليلا.
[وحد الكثير ما بلغ كرا أو زاد عليه " وحد الكر] وزنا ألف [8 / ب] ومئتا رطل " (4).
خلافا للشافعي فإن الكثير عنده ما بلغ قلتين (5)، والقلتان خمسمئة رطل برطل العراق.
لنا أنه لا خلاف في طهارة ما قلناه من الكثير فله أن يدل على طهارة ما نقص منه.
" وظاهر قوله: {ويحرم عليهم الخبائث} (6) يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط بالنجاسة مطلقا، من غير اعتبار بالكثرة وتغير الأوصاف، وإنما يخرج من ذلك ما أخرجه دليل قاطع " (7).
" وأما ماء البئر فإنه ينجس بكل ما يقع فيها من النجاسة، قليلا كان ماؤها أو كثيرا " (8). خلافا للشافعي في الكثير. (9) لنا أنه قد خالطته نجاسة وكل ما خالطته نجاسة فهو نجس والتحرز عن النجاسة واجب فيجب التحرز عنه " وأيضا فلا خلاف من الصحابة والتابعين في أن ماء البئر يطهر بنزح بعضه، وهذا يدل على حكمهم بنجاسته على كل حال من غير اعتبار بمقداره ".
Bogga 29
والواقع في البئر إن غير أحد أو صاف الماء ولم يكن على نزحه نص وجب نزح جميع الماء وإن كان على نزحه نص نزح إلى أن يبلغ النص، فإن زال التغير حكم بطهارته، وإن لم يزل نزح إلى أن يزول، وإن لم يغير أحد أوصافه فهو على ضربين: ما يوجب نزح الجميع أو تراوح أربعة رجال من أول النهار إلى آخره وذلك [إذا كان له مادة يتعذر معها نزح الجميع، والضرب الآخر يوجب نزح بعضه، فما يوجب نزح الجميع أو المراوحة] عشرة أشياء: الخمر، وكل شراب مسكر، والفقاع، والمني، ودم الحيض، والاستحاضة، والنفاس، وموت البعير فيه، وكل نجاسة غيرت أحد أوصافه ولم يزل التغير قبل نزح الجميع، وما لا نص عليه في مقدار النزح، أما الفقاع والمني فقد ذكرنا أنهما نجسان والباقي لا خلاف في نجاسته، وإذا وقع منها شئ في البئر فالنجاسة فيها معلومة ولا علم بزوالها إلا بعد نزح جميع ماء البئر.
" وما يوجب نزح البعض [على ضروب]:
منه ما يوجب نزح كر، وهو موت الخيل فيها أو ما ماثلها في مقدار الجسم.
ومنه ما يوجب نزح سبعين دلوا بالدلو المألوف وهو موت الإنسان ". (1) خلافا للحنفية فإنه ينزح منه جميع الماء. (2) " ومنه ما يوجب نزح خمسين، وهو كثير الدم المخالف [9 / أ] للدماء الثلاثة، والعذرة الرطبة أو اليابسة المتقطعة.
ومنه: ما يوجب نزح أربعين، وهو موت الشاة، أو الكلب، أو الخنزير، أو السنور، أو ما كان مثل ذلك في قدر الجسم، وبول الإنسان البالغ " (3)، وعند الحنفية ينزح من الشاة والكلب جميع الماء، ومن السنور والحمامة والدجاجة ما بين أربعين إلى ستين. (4) ومنه ما يوجب نزح عشر، وهو قليل الدم المخالف للدماء الثلاثة، والعذرة اليابسة غير المتقطعة.
ومنه ما يوجب نزح سبع، وهو موت الدجاجة، أو الحمامة، أو ما ماثلهما في مقدار الجسم، والفأر إذا انتفخت أو تفسخت، وبول الطفل الذي أكل الطعام (5)، وعندهم إذا ماتت فيها فأرة أو عصفورة أو صعوة أو سام أبرص ينزح من عشرين إلى ثلاثين (6)، وعند
Bogga 30
الشافعية الفأرة إذا تقطعت شعورها فالطريق أن يستقي الماء الموجود في البئر فما يحصل بعد ذلك أن رئي فيه شعر فنجس وإلا فطهور إذ الأصل طهارته. (1) ومنه ما يوجب نزح ثلاث، وهو موت الفأرة إذا لم تنتفخ أو تتفسخ، والحية، والعقرب، والوزغة، وعند أصحابنا فيهما خلاف، وبول الطفل الذي لم يأكل الطعام.
ومنه: ما يوجب نزح دلو واحد وهو موت العصفور، أو ما ماثله من الطير في مقدار الجسم، والدليل على جميع ذلك إجماع الإمامية وهو حجة لدخول قول المعصوم الذي قوله حجة فيه.
والماء المتغير ببعض الطاهرات يجوز الوضوء به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء عليه، و المستعمل في الوضوء أو الغسل المندوب طاهر يجوز الوضوء به (2).
وفي المستعمل في الغسل الواجب خلاف بين أصحابنا، وعند الشافعية طاهر غير طهور لا يجوز الوضوء به ولا الغسل، وعند الحنفية نجس حكاه أبو يوسف (3) عن أبي حنيفة. (4) لنا قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (5) " ومن ادعى أن الاستعمال يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه يحتاج إلى دليل، وإن من حلف أن لا يشرب ماء فشربه يحنث بلا خلاف " (6)، ولو لم يطلق عليه اسم [9 / ب] الماء لما حنث. " ولا يجوز الوضوء بغير الماء من المايعات، نبيذ تمر كان أو ماء ورد، لقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا} (7) لأنه يقتضي نقلنا عن الماء إلى التراب من غير واسطة، ومن أجاز الوضوء بغير الماء، فقد جعل بينهما واسطة وزاد في الظاهر ما لا يقتضيه. (8) وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ بنبيذ التمر إذا كان مطبوخا عند عدم الماء. (9) الوضوء بالماء المغصوب لا يرفع الحدث، ولا يبيح الصلاة بالإجماع، لأن الوضوء عبادة يستحق بها الثواب، فإذا فعل بالماء المغصوب خرج عن ذلك إلى أنه معصية يستحق بها العقاب، فينبغي أن لا يكون مجزئا، ولأن القربة في النية شرط والتقرب إلى الله تعالى
Bogga 31
بالمعصية محال.
ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المايعات. (1) خلافا لأبي حنيفة. (2) لنا " أن حظر الصلاة وعدم إجزائها في الثوب الذي أصابته نجاسة، معلوم، فمن ادعى إجزاءها إذا غسل بغير الماء فعليه الدليل، ولا دليل في الشرع يدل عليه، وقوله (عليه السلام): لأسماء (3) في دم الحيض يصيب الثوب (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) وظاهر الأمر يقتضي الوجوب. " (4) والمختلط بشئ من الطاهرات التي غيرت أحد أوصافه ولم يسلبه إطلاق اسم الماء عليه يجوز التوضؤ به خلافا للشافعي. (5) لنا قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء} والواجد للماء المتغير واجد للماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز ما لم يخرجه عن طبعه وجريانه ولم يطبخ به. (6) إذا كان معه إناءان، طاهر ونجس واشتبها عليه لم يجز استعمالهما وكذلك الثياب.
ولا يجوز التحري خلافا لأبي حنيفة في التحري في الثياب، فأما الأواني فإن كان عدد الطاهر أغلب جاز التحري فيها وإلا فلا. وللشافعي مطلقا. (7) لنا أن المستعمل للماء يجب أن يكون على يقين في طهارته ولا يقين له عند استعمال كل واحد منهما إذا تحرى فلا يجوز له التحري.
" وأما إذا كان أحد الإناءين [10 / أ] طاهرا والآخر طهور يتوضأ بكل واحد منهما و عند الشافعي يجوز له التحري، وقيل لا يجوز له التحري ولا التوضؤ بهما " (8) بمثل ما قلناه في المسألة المتقدمة.
وإذا ولغ الكلب في أحدهما واشتبها فأخبره عدل بتعينه لا يجوز له القبول خلافا للشافعي. (9) لنا أنه تيقن النجاسة ولم يتيقن الطهارة لقوله بل ظن ولا يترك اليقين بالظن.
Bogga 32