Jamic Kabir
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
Baare
مصطفى جواد
Daabacaha
مطبعة المجمع العلمي
والقباب) صفة للملوك أيضًا وموضعها التأخير، فقدمها، وهو يريد بها موضعها، كقولك (مررت برجل، يكلمها، مار بهند) أي (مار بهند يكلمها) فقدم الصفة
الثانية، وهو معتقد تأخيرها. وقد استعمل الفرزدق هذا الضرب كثيرًا، كأنه كان يقصد ذلك في شعره ويتعمده، لأن مثل هذا لا يجيء إلا متكلفًا مقصودًا، وإلا فإذا ترك المؤلف نفسه تجري على سجيتها وطبعها في الاسترسال، من غير أن يكلفا التعقيد في الكلام، فإنها لا تأتي بمثل هذه الأسباب القبيحة، التي هي عيب في التأليف فاحش، ألا ترى أن المقصود من الكلام معدوم في هذا الضرب المذكور، لأن المقصود من الكلام إنما هو الإيضاح، والإبانة وإفهام المعنى، فإذا ذهب هذا الوصف من الكلام ذهب المراد به والمقصود منه، وصار غير مفهوم ولا فرق بينه - عند ذلك - وبين غيره من اللغات كالفارسية والرومية وغيرهما. فاعرف ذلك.
واعلم أن من التقديم والتأخير بابًا عجيبًا المأخذ، كثير الفائدة، وافر اللطائف، وهو باب الاستفهام، فإن حاجة المؤلف الكلام إليه ماسة. ولنورد في كتابنا هذا منه ما يروقك، أيها المتأمل، ويذهب بك في الاستحسان كل مذهب، فنقول: اعلم أنك إذا بدأت في الاستفهام بالفعل فقلت (أفعلت كذا وكذا) كان الشك في الفعل، وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده لا غير. وإذا قلت: (أأنت فعلت) فبدأت بالاسم كان الشك في الفاعل وحده. وهذا المعنى قائم في الهمزة، إذ هي كانت للتقرير، فإذا قلت (أأنت فعلت ذاك) كان غرضك أن تقرره بأنه الفاعل، قال الله تعالى (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) حكاية عن قوم نمرود، لأنهم لم يقولوا ذلك لإبراهيم ﵇ وغرضهم أن يقر لهم أن كسر الأصنام كان ووجد، لأن ذلك معلوم عندهم، وقد شاهدوه رأي العين، والاستفهام إنما يكون عن شيء لا يعلم وإنما غرضهم الإقرار بأن ذلك حدث منه، لأنه قال - صلوات الله عليه - في الجواب لهم (بل فعله كبيرهم هذا) ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب (فعلت أو لم أفعل) فالهمزة مما ذكرناه تقرير لفعل قد كان وإنكار له، لم
كان، وتوبيخ لفاعله عليه، ولهذا مذهب آخر
1 / 114