مدونة الحنابلة (1)
الجامع لعلوم الإمام أحمد
تأليف
خالد الرباط - سيد عزت عيد - محمد أحمد عبد التواب
(بمشاركة الباحثين بدار الفلاح)
«قسم العقيدة 1»
[المجلد الثالث]
----NO PAGE NO------
جميع الحقوق محفوظة لدار الفلاح ولا يجوز نشر هذا الكتاب بأي صيغة أو تصويره PDF إلا بإذن خطي من صاحب الدار الأستاذ/ خالد الرباط
الطبعة الأولى
1430 ه - 2009 م
رقم الإيداع بدار الكتب
19194/ 2009
دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث
18 شارع أحمس - حي الجامعة - الفيوم
ت: 01000059200
Bogga 2
الجامع لعلوم الإمام أحمد
[3]
Bogga 3
بسم الله الرحمن الرحيم
Bogga 4
قسم العقيدة (1)
1 - كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالا.
2 - كتاب الإيمان.
3 - كتاب الصفات.
4 - كتاب القرآن كلام الله والرد الجهمية.
Bogga 5
1 -
كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالا
قال أبو القاسم: حدثنا أبو محمد حرب بن إسماعيل قال: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم: الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، والاستثناء في الإيمان سنة ماضية عن العلماء، وإذا سئل الرجل أمؤمن أنت؟ فإنه يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، أو يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع، فهو مرجئ، وإن زعم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فهو مرجئ، وإن قال: إن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة، ومن لم [ير] (¬1) الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ، ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل أو الملائكة فهو مرجئ وأخبث من المرجئ؟ فهو كاذب، ومن زعم أن الناس لا يتفاضلون في
Bogga 9
الإيمان فقد كذب، ومن زعم أن المعرفة تنفع في القلب، وإن لم يتكلم بها فهو جهمي، ومن زعم أنه مؤمن عند الله مستكمل الإيمان فهذا من أشنع قول المرجئة وأقبحه.
والقدر: خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وآخره من الله تبارك وتعالى، قضاء قضاه على عباده، وقدر قدره عليهم لا يعدو أحد منهم مشيئة الله، لا يجاوز قضاءه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، وواقعون في ما قدر عليهم لا محالة، وهو عدل منه عز ربنا وجل.
والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والشرك بالله، والذنوب جميعا، والمعاصي كلها بقضاء وقدر من الله من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله الحجة البالغة على خلقه و {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. وعلم الله ماض في خلقه بمشيئة منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه -من لدن أن عصي ربنا تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة- المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل طاعته وخلقهم لها، فكل يعمل لما خلق له، وصائر إلى ما قضي عليه وعلم منه، ولا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته، والله الفعال لما يريد.
فمن زعم أن الله تبارك وتعالى شاء لعباده الذين عصوه الخير والطاعة، وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية، فعملوا على مشيئتهم، فقد زعم أن مشيئة العباد أغلب من مشيئة الله تبارك وتعالى ذكره، فأي افتراء على الله أكثر من هذا؟ !
ومن زعم أن أحدا من الخلق صائر إلى غير ما خلق له، فقد نفى قدرة الله عن خلقه، وهذا إفك على الله وكذب عليه.
Bogga 10
ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له: أرأيت هذه المرأة التي حملت من الزنا وجاءت بولد، هل شاء الله أن يخلق هذا الولد؟ وهل مضى هذا في سابق علمه؟ فإن قال: لا. فقد زعم أن مع الله خالقا، وهذا قول يضارع الشرك بل هو الشرك، ومن زعم أن السرقة، وشرب الخمر، وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر من الله فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره، وهذا القول يضارع قول المجوسية والنصرانية، بل أكل رزقه وقضى الله له أن يأكله من الوجه الذي أكله.
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله، فأي كفر بالله أوضح من هذا؟ ! بل ذلك كله بقضاء من الله وقدر، وكل ذلك بمشيئته في خلقه وتدبيره فيه، وما جرى في سابق علمه لهم، وهو الحق والعدل يفعل ما يريد ومن أقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر، والمشيئة على الصغر والقماءة (¬1)، والله الضار النافع المضل الهادي فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولكبيرة أتى بها، إلا أن يكون في ذلك حديث، فيروى الحديث كما جاء على ما روي ويصدق به ويقبل ويعلم أنه كما جاء، ولا ننص الشهادة.
ولا نشهد على أحد أنه في الجنة لصلاح عمله أو لخير أتى به إلا أن يكون في ذلك حديث فيروى الحديث كما جاء على ما روي، يصدق به، ويقبل ويعلم أنه كما جاء ولا ننص الشهادة.
والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن
Bogga 11
ينازعهم فيها، ولا يخرج عليهم، ولا يقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة.
والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا، ولا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا ولا أتقياء، ودفع الخراج والصدقات والأعشار والفيء والغنيمة إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا.
والانقياد لمن ولاه الله أمرك لا تنزع يدك من طاعة، ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، وأن لا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع لا تنكث بيعة، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة.
وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه.
والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها، فإن ابتليت فقدم نفسك ومالك دون دينك، ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان، ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك والله المعين.
والكف عن أهل القبلة لا نكفر أحدا منهم بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، إلا أن يكون في ذلك حديث، فيروى الحديث كما جاء وكما روي، ويصدق به ويقبله ونعلم أنه كما روي نحو ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك أو ابتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام، واتبع الأثر في ذلك ولا تجاوزه.
ولا أحب الصلاة خلف أهل البدع، ولا الصلاة على من مات منهم. والأعور خارج لا شك في ذلك، ولا ارتياب وهو أكذب الكاذبين.
وعذاب القبر حق، يسأل العبد عن ربه، وعن نبيه، وعن دينه، ويرى
Bogga 12
مقعده من الجنة أو النار.
ومنكر ونكير حق، وهما فتانا القبور نسأل الله الثبات.
وحوض محمد صلى الله عليه وسلم حق، ترد عليه أمته، وله آنية يشربون بها منه.
والصراط حق يوضع في سواء جهنم فيمر الناس عليه، والجنة من وراء ذلك نسأل الله السلامة والجواز.
والميزان حق يوزن به الحسنات والسيئات كما شاء الله أن يوزن به.
والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق، ثم ينفخ فيه فيقومون لرب العالمين للحساب والقضاء، والثواب والعقاب والجنة والنار.
واللوح المحفوظ حق يستنسخ منه أعمال العباد، لما سبقت فيه من المقادير والقضاء.
والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء، وأحصاه في الذكر فتبارك ربنا وتعالى.
والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم، فلا يصيرون إلى النار، ويخرج قوم من النار -بعدما دخلوها- بشفاعة الشافعين، ويخرج قوم من النار برحمة الله بعد ما يلبثهم فيها ما شاء الله، وقوم يخلدون في النار أبدا، وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله.
ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار، وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها خلقهما الله، ثم خلق الخلق لهما لا يفنيان ولا يفنى من فيهما أبدا، فإن احتج مبتدع زنديق بقول الله تبارك وتعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] وبنحو هذا فقيل له: كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا، والحور العين لا يمتن عند
Bogga 13
قيام الساعة، ولا عند النفخة، ولا أبدا؛ لأن الله تبارك وتعالى خلقهن للبقاء لا للفناء، ولم يكتب عليهن الموت، فمن قال بخلاف ذلك فهو مبتدع مخالف وقد ضل عن سواء السبيل.
وخلق الله سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض، وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام، والماء فوق السماء السابعة، وعرش الرحمن فوق الماء، والله تبارك وتعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السماوات السبع، وما في الأرضين السبع، وما بينهن، وما تحتهن، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة، وكل شجرة، وكل زرع، وكل نبت، ومسقط كل ورقة، وعدد ذلك كله، وعدد الحصا، والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، وقطر الأمطار، وأعمال العباد، وآثارهم، وكلامهم وأنفاسهم، وتمتمتهم، وما توسوس به صدورهم يعلم كل شيء لا يخفى عليه شيء من ذلك، وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها، فإن احتج مبتدع أو مخالف أو زنديق بقول الله تبارك وتعالى {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] وبقوله: {وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد: 4] وبقوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} [المجادلة: 7] ونحو ذلك من متشابه القرآن فقل: إنما يعني بذلك العلم؛ لأن الله تبارك وتعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله، وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه، وله حد الله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره، وتعالى جده، ولا إله غيره.
والله تبارك وتعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل،
Bogga 14
جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك، ويسمع ويبصر وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب ويكره ويبغض ويرضى، ويسخط ويغضب، ويرحم ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وقلوب العباد بين [أصبعين من] أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويوعيها ما أراد. وخلق آدم بيده على صورته، والسماوات والأرضون يوم القيامة في كفه وقبضته، ويضع قدمه في جهنم فتزوى، ويخرج قوم من النار بيده، وينظر أهل الجنة إلى وجهه يزورونه فيكرمهم، ويتجلى لهم فيعطيهم، ويعرض عليه العباد يوم الفصل والدين فيتولى حسابهم بنفسه لا يولي ذلك غيره، عز ربنا وجل وهو على ما يشاء قدير.
والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولا، ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفر هؤلاء القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم، وكلم الله موسى وناوله التوراة من يده إلى يده (¬1)، ولم يزل الله متكلما عالما فتبارك الله أحسن الخالقين.
والرؤيا من الله وهي حق إذا رأى صاحبها شيئا في منامه مما ليس
Bogga 15
هو ضغث فقصها على عالم وصدق فيها، وأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح، ولم يحرف فالرؤيا وتأويلها حينئذ حق، وقد كانت الرؤيا من النبيين وحيا، فأي جاهل بأجهل ممن يطعن في الرؤيا، ويزعم أنها ليست بشيء، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رؤيا المؤمن كلام يكلم الرب عبده" (¬1)، وقال: "الرؤيا من الله" (¬2) وبالله التوفيق.
ومن السنة الواضحة البينة الثابتة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أحدا منهم أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم بقليل أو كثير، أو دق أو جل مما يتطرق إلى الوقيعة في أحد منهم، فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف، لا قبل الله صرفه ولا عدله، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة.
وخير الأمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، وخيرهم بعد أبي بكر عمر، وخيرهم بعد عمر عثمان. وقال قوم من أهل العلم وأهل السنة: وخيرهم بعد عثمان علي. ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب محمد بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد إن يذكر شيئا من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب، ولا ينقص ولا وقيعة، فمن فعل ذلك فالواجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو بل
Bogga 16
يعاقبه ثم يستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب أعاد عليه العقوبة ثم خلده الحبس حتى يموت أو يراجع فهذا السنة في أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حب العرب إيمان وبغضهم نفاق" (¬1) ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون لها بالفضل، فإن قولهم بدعة وخلاف.
ومن حرم المكاسب والتجارات وطلب المال من وجهه، فقد جهل وأخطأ وخالف، بل المكاسب من وجوهها حلال قد أحله الله ورسوله، والعلماء من الأمة، فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله، ويبتغي من فضل ربه، فإن ترك ذلك على أنه لا يرى الكسب فهو مخالف، وكل أحد أحق بماله الذي ورثه أو استفاده، أو أصابه أو اكتسبه لا كما يقول المتكلمون المخالفون.
والدين إنما هو كتاب الله وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالأخبار الصحيحة القوية المعروفة المشهورة، يرويها الثقة الأول المعروف عن الثاني الثقة المعروف، يصدق بعضهم بعضا حتى ينتهي ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو أصحاب النبي، أو التابعين، أو تابع التابعين، أو من بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم، المتمسكين بالسنة،
Bogga 17
والمتعلقين بالأثر، الذين لا يعرفون ببدعة ، ولا يطعن عليهم بكذب، ولا يرمون بخلاف، وليسوا أصحاب قياس ولا رأي، لأن القياس في الدين باطل، والرأي كذلك وأبطل منه، وأصحاب الرأي والقياس في الدين مبتدعة جهلة ضلال، إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات، فالأخذ بالأثر أولى.
ومن زعم أنه لا يرى التقليد، ولا يقلد دينه أحدا فهذا قول فاسق مبتدع عدؤ لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولدينه، ولكتابه، ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، إنما يريد بذلك إبطال الأثر، وتعطيل العلم، وإطفاء السنة، والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف، فعلى قائل هذا القول لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فهذا من أخبث قول المبتدعة، وأقربها إلى الضلالة والردى، بل هو ضلالة، زعم أنه لا يرى التقليد وقد قلد دينه أبا حنيفة وبشرا المريسي، وأصحابه، فأي عدو لدين الله أعدى ممن يريد أن يطفئ السنن، ويبطل الآثار والروايات، ويزعم أنه لا يرى التقليد وقد قلد دينه من قد سميت لك، وهم أئمة الضلال، ورءوس البدع، وقادة المخالفين فعلى قائل هذا القول غضب الله.
فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة، والأثر، وأصحاب الروايات، وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث، وتعلمنا منهم السنن، وكانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق وأمانة يقتدى بهم ويؤخذ عنهم، ولم يكونوا أصحاب بدع ولا خلاف، ولا تخليط وهو قول أئمتهم، وعلمائهم الذين كانوا قبلهم، فتمسكوا بذلك رحمكم الله، وتعلموه وعلموه وبالله التوفيق.
ولأصحاب البدع نبز وألقاب، وأسماء لا تشبه أسماء الصالحين ولا
Bogga 18
الأئمة ولا العلماء من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فمن أسمائهم المرجئة: وهم الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل، وأن الإيمان هو القول، والأعمال شرائع، وأن الإيمان مجرد، وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان ليس فيه استثناء، وأن من آمن بلسانه ولما يعمل فهو مؤمن حقا، وأنهم مؤمنون عند الله بلا استثناء. هذا كله قول المرجئة وهو أخبث الأقاويل وأضله وأبعده من الهدى.
والقدرية: هم الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة والقدرة، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر والضر والنفع والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة، وأن العباد يعملون بدءا من أنفسهم من غير أن يكون سبق لهم ذلك في علم الله، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية وهو أصل الزندقة.
والمعتزلة: وهم يقولون قول القدرية ويدينون بدينهم، ويكذبون بعذاب القبر، والشفاعة، والحوض، ولا يرون الصلاة خلف أحد من أهل القبلة، ولا الجمعة إلا من كان على مثل رأيهم وأهوائهم، ويزعمون أن أعمال العباد ليست في اللوح المحفوظ.
والبكرية: وهم قدرية، وهم أصحاب الحبة والقيراط، والدانق يزعمون أن من أخذ حبة، أو قيراطا، أو دانقا حراما فهو كافر، وقولهم يضاهئ قول الخوارج.
والجهمية: أعداء الله: وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن الله لم يكلم موسى، وأن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يعرف لله مكان، وليس لله عرش، ولا كرسي، وكلام كثير أكره حكايته، وهم كفار زنادقة
Bogga 19
أعداء الله فاحذروهم.
والواقفة: وهم الذين يزعمون أنا نقول: إن القرآن كلام الله. ولا نقول: غير مخلوق. وهم شر الأصناف وأخبثها.
واللفظية: وهم الذين يزعمون أنا نقول: إن القرآن كلام الله. ولكن ألفاظنا. بالقرآن وتلاوتنا وقراءتنا له مخلوقة، وهم جهمية فساف.
والرافضة: الذين يتبرءون من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسبونهم وينقصونهم، ويكفرون الأمة إلا نفرا يسيرا، وليست الرافضة من الإسلام في شيء.
والمنصورية: وهم رافضة أخبث الروافض، وهم الذين يقولون: من قتل أربعين رجلا ممن خالفهم هواهم دخل الجنة، وهم الذين يخنقون الناس ويستحلون أموالهم، وهم الذين يقولون: أخطأ جبريل بالرسالة، وهذا الكفر الواضح الذي لا يشوبه إيمان، فنعوذ بالله منه.
والسبائية: وهم رافضة كذابون، وهم قريب ممن ذكرت مخالفون للأئمة.
والرافضة أسوأ أثرا في الإسلام من أهل الكفر ومن أهل الحرب، وصنف من الرافضة يقولون: علي في السحاب، ويقولون: علي يبعث قبل يوم القيامة. وهذا كله كذب وزور وبهتان.
والزيدية: وهم رافضة، وهم الذين يتبرؤون من عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون القتال مع كل من خرج من ولد علي برا كان أو فاجرا حتى يغلب أو يغلب.
والخشبية: وهم الذين يقولون قول الزيدية.
والشيعة: وهم فيما زعموا ينتحلون حب آل محمد دون الناس، وكذبوا، بل هم خاصة المبغضون لآل محمد. دون الناس، إنما شيعة آل
Bogga 20
محمد المتقون أهل السنة والأثر، من كانوا وحيث كانوا، الذين يحبون آل محمد وجميع أصحاب محمد، ولا يذكرون أحدا منهم بسوء، ولا عيب، ولا منقصة، فمن ذكر أحدا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بسوء أو طعن عليه بعيب أو تبرأ من أحد منهم، أو سبهم، أو عرض بسبهم وشتمهم فهو رافضي مخالف خبيث ضال.
وأما الخوارج: فمرقوا من الدين، وفارقوا الملة، وشردوا على الإسلام، وشذوا عن الجماعة، وضلوا عن سبيل الهدى، وخرجوا على السلطان والأئمة، وسلوا السيف على الأمة، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وكفروا من خالفهم إلا من قال بقولهم، وكان على مثل رأيهم، وثبت معهم في دار ضلالتهم، وهم يشتمون أصحاب محمد وأصهاره وأختانه، ويتبرؤون منهم، ويرمونهم بالكفر والعظائم ويرون خلافهم في شرائع الدين وسنن الإسلام، ولا يؤمنون بعذاب القبر، ولا الحوض، ولا الشفاعة، ولا يخرجوا أحدا من أهل النار، وهم يقولون: من كذب كذبة، أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو كافر فهو في النار خالدا مخلدا فيها أبدا، وهم يقولون بقول البكرية في الحبة والقيراط، وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة، ولا يرون جماعة إلا خلف إمامهم، وهم يرون تأخير الصلاة عن وقتها، ويرون الصوم قبل رؤية [الهلال]، والفطر قبل رؤيته، وهم يرون النكاح بغير ولي ولا سلطان، ويرون المتعة في دينهم، ويرون الدرهم بالدرهمين يدا بيد حلالا، وهم لا يرون الصلاة في الخفاف، ولا المسح عليها، وهم لا يرون للسلطان عليهم طاعة، ولا لقريش خلافة، وأشياء كبيرة يخالفون فيها الإسلام وأهله، فكفى بقوم ضلالة يكون هذا
Bogga 21
رأيهم ومذهبهم ودينهم وليسوا من الإسلام في شيء، وهم المارقة.
ومن أسماء الخوارج:
الحرورية، وهم أهل حروراء.
والأزارقة: وهم أصحاب نافع بن الأزرق، وقولهم أخبث الأقاويل وأبعدها من الإسلام والسنة.
والنجدية: وهم أصحاب نجدة بن عامر.
والإباضية: وهم أصحاب عبد الله بن إباض.
والصفرية: وهم أصحاب داود بن النعمان حين قيل له: إنك صفر من العلم.
والبهيسية، والميمونية، والخازمية؛ كل هؤلاء خوارج فساق مخالفين للسنة خارجين من الملة أهل بدعة وضلالة، وهم لصوص قطاع قد عرفناهم بذلك.
والشعوبية: وهم أصحاب بدعة يقولون: العرب والموالي عندنا واحد لا يرون للعرب حقا، ولا يعرفون لهم فضلا، ولا يحبونهم، بل يبغضون العرب، ويضمرون لهم الغل والحسد والبغضة في قلوبهم. هذا قول قبيح ابتدعه رجل من أهل العراق، وتابعه نفر يسير فقتل عليه.
وأصحاب الرأي: وهم مبتدعة ضلال أعداء السنة والأثر، يرون الدين رأيا وقياسا واستحسانا، وهم يخالفون الآثار، ويبطلون الحديث، ويردون على الرسول، ويتخذون أبا حنيفة ومن قال بقوله إماما يدينون بدينهم، ويقولون بقولهم، فأي ضلالة أبين ممن قال بهذا أو كان على مثل هذا، يترك قول الرسول وأصحابه ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه، فكفى بهذا غيا وطغيانا وردا.
Bogga 22
والولاية بدعة والبراءة بدعة، وهم يقولون: نتولى فلانا ونتبرأ من فلان. وهذا القول بدعة فاحذروه.
ومن قال بشيء من هذه الأقاويل أو رآها، أو صوبها، أو رضيها، أو أحبها فقد خالف السنة، وخرج من الجماعة، وترك الأثر، وقال بالخلاف، ودخل في البدعة، وزل عن الطريق، وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا، وبه استعنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد أحدث أهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة فسموا بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم والطعن عليهم، والوقيعة فيهم، والازدراء بهم عند السفهاء والجهال، فأما المرجئة فإنهم يسمون أهل السنة شكاكا، وكذبت المرجئة بل هم أولى بالشك وبالتكذيب. وأما القدرية فإنهم يسمون أهل السنة والإثبات مجبرة، وكذبت القدرية، بل هم أولى بالكذب والخلاف ألغوا قدرة الله عن خلقه، وقالوا له ما ليس بأهل له تبارك وتعالى.
وأما الجهمية: فإنهم يسمون أهل السنة مشبهة، وكذبت الجهمية أعداء الله بل هم أولى بالتشبيه والتكذيب افتروا على الله الكذب وقالوا على الله الزور والإفك وكفروا في قولهم.
وأما الرافضة: فإنهم يسمون أهل السنة ناصبة، وكذبت الرافضة، بل هم أولى بهذا الاسم إذ ناصبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- السب والشتم وقالوا فيهم غير الحق، ونسبوهم إلى غير العدل كذبا وظلما، وجرأة على الله واستخفافا لحق الرسول، والله أولى بالتغيير والانتقام منهم.
وأما الخوارج: فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة، وكذبت الخوارج، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان دون الناس ومن خالفهم كفار.
وأما أصحاب الرأي والقياس: فإنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وكذب
Bogga 23
أصحاب الرأي أعداء الله، بل هم النابتة تركوا أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وحديثه وقالوا بالرأي، وقاسوا الدين بالاستحسان، وحكموا بخلاف الكتاب والسنة، وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال طلاب دنيا بالكذب والبهتان. فرحم الله عبدا قال بالحق، واتبع الأثر، وتمسك بالسنة، واقتدى بالصالحين، وجانب أهل البدع وترك مجالستهم ومحادثتهم أحتسابا وطلبا للقربة من الله وإعزاز دينه، وما توفيقنا إلا بالله (¬1).
"مسائل حرب" ص 355 - 366
قال عبدوس: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بهم، وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين.
والسنة: عندنا آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن. وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول، ولا الأهواء إنما هي الاتباع وترك الهوى.
ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:
Bogga 24