Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
يجعلون أصبعهم في آذانهم من الصوعق
[البقرة: 19] وقوله: { يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضآء لهم مشوا فيه } فجرى ذكرها في الآيتين على وجه المثل. ثم عقب جل ثناؤه ذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم، وعيدا من الله لهم، كما توعدهم في الآية التي قبلها بقوله :
والله محيط بالكفرين
[البقرة: 19] واصفا بذلك جل ذكره نفسه أنه المقتدر عليهم وعلى جمعهم، لإحلال سخطه بهم، وإنزال نقمته عليهم، ومحذرهم بذلك سطوته، ومخوفهم به عقوبته، ليتقوا بأسه، ويسارعوا إليه بالتوبة. كما: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم } لما تركوا من الحق بعد معرفته. وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: ثم قال يعني قال الله في أسماعهم يعني أسماع المنافقين وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس: { ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم }. قال أبو جعفر: وإنما معنى قوله: { لذهب بسمعهم وأبصرهم } لأذهب سمعهم وأبصارهم، ولكن العرب إذا أدخلوا الباء في مثل ذلك قالوا: ذهبت ببصره، وإذا حذفوا الباء قالوا: أذهبت بصره، كما قال جل ثناؤه: آتنا غداءنا ولو أدخلت الباء في الغداء لقيل: ائتنا بغدائنا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: { لذهب بسمعهم } فوحد، وقال: { وأبصرهم } فجمع؟ وقد علمت أن الخبر في السمع خبر عن سمع جماعة، كما الخبر في الأبصار خبر عن أبصار جماعة؟ قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي الكوفي: وحد لسمع لأنه عنى به المصدر وقصد به الخرق، وجمع الأبصار لأنه عنى به الأعين. وكان بعض نحويي البصرة يزعم أن السمع وإن كان في لفظ واحد فإنه بمعنى جماعة، ويحتج في ذلك بقول الله:
لا يرتد إليهم طرفهم
[إبراهيم: 43] يريد لا ترتد إليهم أطرافهم، وبقوله:
ويولون الدبر
[القمر: 45] يراد به أدبارهم. وإنما جاز ذلك عندي لأن في الكلام ما يدل على أنه مراد به الجمع، فكان فيه دلالة على المراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة مغنيا عن جماعه، ولو فعل بالبصر نظير الذي فعل بالسمع، أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالأبصار من الجمع والتوحيد، كان فصيحا صحيحا لما ذكرنا من العلة كما قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا
Bog aan la aqoon