379

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

" ما لك يا أبا قيس أمسيت طليحا "

، فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شيء، فتذكر هو، فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب "

، فنسخ ذلك عنهم، فقال: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } يقول: إنكم تقعون عليهن خيانة، { فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول: جامعوهن ورجع إلى أبي قيس فقال: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال : حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } قال: كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة، فإن مسوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا.

فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام، فقال: قد اختنت نفسي فنزل القرآن، فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال: وقال مجاهد: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم منهم في رمضان، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة، وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك. فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل، فقال: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم... } الآية. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } مثل قول مجاهد، وزاد فيه: أن عمر بن الخطاب قال لامرأته: لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقدت قبل أن يرجع، فقال لها: ما أنت براقدة ثم أصابها حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: نزلت { وكلوا واشربوا } الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير وهو صائم، فلم يهيئوا له طعاما، فوضع رأسه فأغفى، وجاءته امرأته بطعامه، فقالت له: كل فقال: إني قد نمت، قالت: إنك لم تنم فأصبح جائعا مجهودا، فأنزل الله: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }. فأما المباشرة في كلام العرب: فإنه ملاقاة بشرة ببشرة، وبشرة الرجل: جلدته الظاهرة . وإنما كنى الله بقوله: { فالآن باشروهن } عن الجماع: يقول: فالآن إذا أحللت لكم الرفث إلى نسائكم فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهي تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وبالذي قلنا في المباشرة قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان. وحدثنا عبد الحميد بن سنان، قال: ثنا إسحاق، عن سفيان. وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس، قال: المباشرة: الجماع، ولكن الله كريم يكني. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس نحوه. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فالآن باشروهن } انكحوهن.

حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: المباشرة: النكاح. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: { فالآن باشروهن } قال: الجماع، وكل شيء في القرآن من ذكر المباشرة فهو الجماع نفسه، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء في الطعام والشراب والنساء. حدثنا محمد بن مسعدة قال: ثنا يزيد بن زريع قال ثنا شعبة وحدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فالآن باشروهن } يقول: جامعوهن. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المباشرة : الجماع. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء، مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعي، قال: حدثني عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله: الجماع. حدثنا ابن البرقي، ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: قال الأوزاعي: ثنا من سمع مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله الجماع. واختلفوا في تأويل قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } فقال بعضهم: الولد. ذكر من قال ذلك: حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري، قال: ثنا إسماعيل بن زياد الكاتب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الولد. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف وأبو داود، عن شعبة قال: سمعت الحكم: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، قال: ثنا عبيد الله، عن عكرمة قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، ثنا أبو مودود بحر بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وابتغوا ما كتب الله لكم } فهو الولد. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وابتغوا ما كتب الله لكم } يعني الولد. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد، فإن لم تلد هذه فهذه.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: هو الولد. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ما كتب لكم من الولد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وابتغوا ما كتب الله لكم قال: الجماع. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: ثنا الفضل بن خالد، قال: ثنا عبيد بن سلمان، قال، سمعت الضحاك بن مزاحم قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: الولد. وقال بعضهم: معنى ذلك ليلة القدر. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ليلة القدر. قال أبو هشام: هكذا قرأها معاذ. حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال: ليلة القدر. وقال آخرون: بل معناه: ما أحله الله لكم ورخصه لكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وابتغوا ما كتب الله لكم } يقول: ما أحله الله لكم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة في ذلك: ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم. وقرأ ذلك بعضهم: وابتغوا ما كتب الله لكم ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية: { وابتغوا } أو «واتبعوا»؟ قال: أيتهما شئت. قال: عليك بالقراءة الأولى. والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره قال: { وابتغوا } بمعنى: اطلبوا ما كتب الله لكم، يعني الذي قضى الله تعالى لكم. وإنما يريد الله تعالى ذكره: اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه المرأة مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وكذلك إن طلب ليلة القدر، فهو مما كتب الله له، وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ.

وقد يدخل في قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } جميع معاني الخير المطلوبة، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال معناه: وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد لأنه عقيب قوله: { فالآن باشروهن } بمعنى: جامعوهن فلأن يكون قوله: { وابتغوا ما كتب الله لكم } بمعنى: وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم. القول في تأويل قوله عز وجل: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل }. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فقال بعضهم: يعني بقوله: الخيط الأبيض: ضوء النهار. وبقوله: الخيط الأسود: سواد الليل. فتأويله على قول قائل هذه المقالة: وكلوا بالليل في شهر صومكم، واشربوا، وباشروا نساءكم، مبتغين ما كتب الله لكم من الولد، من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده. ذكر من قال ذلك: حدثني الحسن بن عرفة، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا أشعث، عن الحسن في قول الله تعالى ذكره: { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال: الليل من النهار. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال: حتى يتبين لكم النهار من الليل، ثم أتموا الصيام إلى الليل. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء أو قليل العقل من سحوركم فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل. وقد يرى بياض ما على السحر يقال له الصبح الكاذب كانت تسميه العرب، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم، فإن الصبح لا خفاء به: طريقة معترضة في الأفق، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } يعني الليل من النهار. فأحل لكم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لكم الصبح، فإذا تبين الصبح حرم عليهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتموا الصيام إلى الليل. فأمر بصوم النهار إلى الليل، وأمر بالإفطار بالليل.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، وقيل له: أرأيت قول الله تعالى: { الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }؟ قال: «إنك لعريض القفا»، قال: هذا ذهاب الليل ومجيء النهار. قيل له: الشعبي عن عدي بن حاتم؟ قال: نعم، حدثنا حصين. وعلة من قال هذه المقالة وتأول الآية هذا التأويل ما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت يا رسول الله، قول الله: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال: «هو بياض النهار وسواد الليل». حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان، عن مجالد، عن سعيد، عن عامر، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإسلام، ونعت لي الصلوات، كيف أصلي كل صلاة لوقتها، ثم قال:

" إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل "

Bog aan la aqoon