360

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

فجعلوا صيامهم خمسين، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال: كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة. وقال آخرون: الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم } أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } أهل الكتاب. وقال بعضهم: بل ذلك كان على الناس كلهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال: كتب شهر رمضان على الناس، كما كتب على الذين من قبلهم. قال: وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } رمضان كتبه الله على من كان قبلهم. وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب، أياما معدودات، وهي شهر رمضان كله لأن من بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء. وأما التشبيه فإنما وقع على الوقت، وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان مثل الذي فرض علينا سواء. وأما تأويل قوله: { لعلكم تتقون } فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: { لعلكم تتقون } يقول: فتتقون من الطعام والشرب والنساء مثل ما اتقوا، يعني مثل الذي اتقى النصارى قبلكم.

[2.184]

يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون يعني تعالى ذكره: كتب عليكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات. ونصب «أياما» بمضمر من الفعل، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات، كما يقال: أعجبني الضرب زيدا وقوله: { كما كتب على الذين من قبلكم } من الصيام، كأنه قيل: كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات. ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله: { أياما معدودات } فقال بعضهم: الأيام المعدودات: صوم ثلاثة أيام من كل شهر. قال: وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يسم الشهر أياما معدودات، قال: وكان هذا صيام الناس قبل ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:

يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون

[البقرة: 183] وكان ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان، فأنزل الله:

يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

[البقرة : 183] حتى بلغ: وعلى { الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرناعبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قد كتب الله تعالى ذكره على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر. وقال آخرون: بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوعا صومهن، وإنما عنى الله جل وعز بقوله: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم... أياما معدودات } أيام شهر رمضان، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة، عن عمرو بن مرة قال: ثنا أصحابنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة قال: ثم نزل صيام رمضان قال أبو موسى: قوله قال عمرو بن مرة، حدثنا أصحابنا، يريد ابن أبي ليلى، كان ابن أبي ليلى القائل حدثنا أصحابنا.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، فذكر نحوه. وقد ذكرنا قوله من قال: عنى بقوله:

كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم

[البقرة: 183] شهر رمضان. وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال: عنى الله جل ثناؤه بقوله: { أياما معدودات } أيام شهر رمضان، وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات بإبانته، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله:

Bog aan la aqoon