Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
يأيها النمل ادخلوا مساكنكم
[النمل: 18] وكما قال:
والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين
[يوسف: 4]. وقال آخرون: عنى الله تعالى ذكره بقوله: { ويلعنهم اللاعنون } الملائكة والمؤمنين. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن قتادة { ويلعنهم اللاعنون } قال: يقول اللاعنون من ملائكة الله ومن المؤمنين. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { ويلعنهم اللاعنون } الملائكة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: اللاعنون من ملائكة الله والمؤمنين. وقال آخرون: يعني باللاعنين: كل ما عدا بني آدم والجن. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ويلعنهم اللاعنون } قال: قال البراء بن عازب: إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه، ولا يبقى شيء إلا سمع صوته، إلا الثقلين الجن والإنس. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: { أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } قال: الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق فيصيح صيحة يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه. وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: اللاعنون: الملائكة والمؤمنون لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحل بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين، فقال تعالى ذكره:
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
[البقرة: 161]. فكذلك اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حالة بالفريق الآخر الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس، هي لعنة الله التي أخبر أن لعنتهم حالة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، وهم اللاعنون، لأن الفريقين جميعا أهل كفر. وأما قول من قال: إن اللاعنين هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهوامها، فإنه قول لا تدرك حقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تقوم به الحجة، ولا خبر بذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يقال إن ذلك كذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال: إن الدليل من ظاهر كتاب الله موجود بخلاف أهل التأويل، وهو ما وصفنا. فإن كان جائزا أن تكون البهائم وسائر خلق الله تلعن الذين يكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوته، بعد علمهم به، وتلعن معهم جميع الظلمة، فغير جائز قطع الشهادة في أن الله عنى باللاعنين البهائم والهوام ودبيب الأرض، إلا بخبر للعذر قاطع، ولا خبر بذلك وظاهر كتاب الله الذي ذكرناه دال على خلافه.
[2.160]
يعني تعالى ذكره بذلك أن الله واللاعنين يلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبينه للناس، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم وراجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، والإقرار به وبنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند الله، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه من الأمر باتباعه، وأصلح حال نفسه بالتقرب إلى الله من صالح الأعمال بما يرضيه عنه، وبين الذي علم من وحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه وأظهره فلم يخفه. فأولئك، يعني هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم، هم الذين أتوب عليهم، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي والإنابة إلى مرضاتي. ثم قال تعالى ذكره: { وأنا التواب الرحيم } يقول: وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عني إلي، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إلي أتغمدهم مني بعفو وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم بفضل رحمتي لهم. فإن قال قائل: وكيف يتاب على من تاب؟ وما وجه قوله: { إلا الذين تابوا فأولئك أتوب عليهم } وهل يكون تائب إلا وهو متوب عليه أو متوب عليه إلا وهو تائب؟ قيل: ذلك مما لا يكون أحدهما إلا والآخر معه، فسواء قيل: إلا الذين تيب عليهم فتابوا، أو قيل: إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم وقد بينا وجه ذلك فيما جاء من الكلام هذا المجيء في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في قوله: { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا } يقول: أصلحوا فيما بينهم وبين الله، وبينوا الذي جاءهم من الله، فلم يكتموه، ولم يجحدوا به: { أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا } قال: بينوا ما في كتاب الله للمؤمنين، وما سألوهم عنه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله في يهود. وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: { وبينوا } إنما هو: وبينوا التوبة بإخلاص العمل. ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه، لأن القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية على كتمانهم ما أنزل الله تعالى ذكره وبينه في كتابه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه. ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان، فأخرجهم من عذاب من يلعنه الله ويلعنه اللاعنون. ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل. والذين استثنى الله من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب: عبد الله بن سلام وذووه من أهل الكتاب الذين أسلموا فحسن إسلامهم واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[2.161]
يعني تعالى ذكره بقوله: { إن الذين كفروا } إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به من اليهود والنصارى، وسائر أهل الملل والمشركين من عبدة الأوثان، { وماتوا وهم كفار } يعني وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم أولئك عليهم لعنة الله والملائكة، يعني: فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله يقول: أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته، والملائكة يعني ولعنهم الملائكة والناس أجمعون. ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم: عليهم لعنة الله، وقد بينا معنى اللعنة فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. فإن قال قائل: وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد صلى الله عليه وسلم من أصناف الأمم، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى الله بقوله: { والناس أجمعين } أهل الإيمان به وبرسوله خاصة دون سائر البشر. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { والناس أجمعين } يعني بالناس أجمعين: المؤمنين. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال : ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { والناس أجمعين } يعني بالناس أجمعين: المؤمنين. وقال آخرون: بل ذلك يوم القيامة يوقف على رؤوس الأشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم. ذكر من قال ذلك: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنا من كان: لعن الله الظالم، فيلحق ذلك كل كافر لأنه من الظلمة. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله الظالم إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه. وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال: عنى الله بذلك جميع الناس بمعنى لعنهم إياهم بقولهم: لعن الله الظالم أو الظالمين، فإن كل أحد من بني آدم لا يمنع من قيل ذلك كائنا من كان، ومن أي أهل ملة كان، فيدخل بذلك في لعنته كل كافر كائنا من كان. وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية، لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم، فقال:
Bog aan la aqoon