319

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

يعني تعالى ذكره بذلك: فاذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم. كما: حدثنا ابن حميد قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير: { اذكروني أذكركم } قال: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي. وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } إن الله ذاكر من ذكره، وزائد من شكره، ومعذب من كفره. حدثني موسى قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { اذكروني أذكركم } قال: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب. القول في تأويل قوله تعالى: { واشكروا لي ولا تكفرون }. يعني تعالى ذكره بذلك: اشكروا لي أيها المؤمنون فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته لأنبيائي وأصفيائي ولا تكفرون يقول: ولا تجحدوا إحساني إليكم، فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم، ولكن اشكروا لي عليها، وأزيدكم، فأتمم نعمتي عليكم، وأهديكم لما هديت له من رضيت عنه من عبادي، فإني وعدت خلقي أن من شكر لي زدته، ومن كفرني حرمته وسلبته ما أعطيته. والعرب تقول: نصحت لك وشكرت لك، ولا تكاد تقول نصحتك، وربما قالت شكرتك ونصحتك، من ذلك قول الشاعر:

هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم

فهلا شكرت القوم إن لم تقاتل

وقال النابغة في «نصحتك:

نصحت بني عوف فلم يتقبلوا

رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي

وقد دللنا على أن معنى الشكر: الثناء على الرجل بأفعاله المحمودة، وأن معنى الكفر تغطية الشيء، فيما مضى قبل فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.

[2.153]

وهذه الآية حض من الله تعالى ذكره على طاعته واحتمال مكروهها على الأبدان والأموال، فقال: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة على القيام بطاعتي وأداء فرائضي في ناسخ أحكامي والانصراف عما أنسخه منها إلى الذي أحدثه لكم من فرائضي وأنقلكم إليه من أحكامي، والتسليم لأمري فيما آمركم به في حين إلزامكم حكمه، والتحول عنه بعد تحويلي إياكم عنه، وإن لحقكم في ذلك مكروه من مقالة أعدائكم من الكفار بقذفهم لكم الباطل، أو مشقة على أبدانكم في قيامكم به أو نقص في أموالكم، وعلى جهاد أعدائكم وحربهم في سبيلي، بالصبر منكم لي على مكروه ذلك ومشقته عليكم، واحتمال عنائه وثقله، ثم بالفزع منكم فيما ينوبكم من مفظعات الأمور إلى الصلاة لي، فإنكم بالصبر على المكاره تدركون مرضاتي، وبالصلاة لي تستنجحون طلباتكم قبلي وتدركون حاجاتكم عندي، فإني مع الصابرين على القيام بأداء فرائضي وترك معاصي، أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم حتى يظفروا بما طلبوا وأملوا قبلي وقد بينت معنى الصبر والصلاة فيما مضى قبل فكرهنا إعادته. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: { واستعينوا بالصبر والصلاة } يقول: استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله، واعلموا أنهما من طاعة الله. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } اعلموا أنهما عون على طاعة الله. وأما قوله: { إن الله مع الصابرين } فإن تأويله: فإن الله ناصره وظهيره وراض بفعله، كقول القائل: افعل يا فلان كذا وأنا معك، يعني إني ناصرك على فعلك ذلك ومعينك عليه.

[2.154]

Bog aan la aqoon