317

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

[2.148]

يعني بقوله تعالى ذكره: ولكل أهل ملة، فحذف أهل الملة واكتفى بدلالة الكلام عليه. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: { ولكل وجهة } قال: لكل صاحب ملة. حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { ولكل وجهة هو موليها } فلليهود وجهة هو موليها وللنصارى وجهة هو موليها، وهداكم الله عز وجل أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي قبلته. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: { ولكل وجهة هو موليها }؟ قال: لكل أهل دين اليهود والنصارى. قال ابن جريج: قال مجاهد: لكل صاحب ملة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { ولكل وجهة هو موليها } قال لليهود قبلة، وللنصارى قبلة، ولكم قبلة. يريد المسلمين. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { ولكل وجهة هو موليها } يعني بذلك أهل الأديان، يقول: لكل قبلة يرضونها، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون وذلك أن الله تعالى ذكره قال: { فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم }. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { ولكل وجهة هو موليها } يقول: لكل قوم قبلة قد ولوها. فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية: ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ومول وجهه إليها. وقال آخرون بما: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { ولكل وجهة هو موليها } قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة. وتأويل قائل هذه المقالة: ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة الله عز وجل موليها عباده. وأما الوجهة فإنها مصدر مثل القعدة والمشية من التوجه، وتأويلها: متوجه يتوجه إليها بوجهه في صلاته. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وجهة قبلة. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { ولكل وجهة } قال: وجه. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجهة: قبلة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال: قلت لمنصور: { ولكل وجهة هو موليها } قال: نحن نقرؤها: ولكل جعلنا قبلة يرضونها.

وأما قوله: { هو موليها } فإنه يعني: هو مول وجهه إليها مستقبلها. كما: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { هو موليها } قال: هو مستقبلها. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ومعنى التولية ههنا الإقبال، كما يقول القائل لغيره: انصرف إلي، بمعنى أقبل إلي والانصراف المستعمل إنما هو الانصراف عن الشيء، ثم يقال: انصرف إلى الشيء بمعنى أقبل إليه منصرفا عن غيره. وكذلك يقال: وليت عنه: إذا أدبرت عنه، ثم يقال: وليت إليه بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره. والفعل، أعني التولية في قوله: { هو موليها } لل«كل» و «هو» التي مع «موليها» هو «الكل» وحدت للفظ «الكل». فمعنى الكلام إذا: ولكل أهل ملة وجهة، الكل منهم مولوها وجوههم. وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوا: «هو مولاها» بمعنى أنه موجه نحوها، ويكون الكلام حينئذ غير مسمى فاعله، ولو سمي فاعله لكان الكلام: ولكل ذي ملة وجهة الله موليه إياها، بمعنى موجهه إليها. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك: { ولكل وجهة } بترك التنوين والإضافة. وذلك لحن، ولا تجوز القراءة به، لأن ذلك إذا قرىء كذلك كان الخبر غير تام، وكان كلاما لا معنى له، وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه. والصواب عندنا من القراءة في ذلك: { ولكل وجهة هو موليها } بمعنى: ولكل وجهة وقبلة، ذلك الكل مول وجهه نحوها، لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك وتصويبها إياها، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره. وما جاء به النقل مستفيضا فحجة، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والخطأ فغير جائز الاعتراض به على الحجة. القول في تأويل قوله تعالى: { فاستبقوا الخيرات }. يعني تعالى ذكره بقوله: { فاستبقوا } فبادروا وسارعوا، من «الاستباق»، وهو المبادرة والإسراع. كما: حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: { فاستبقوا الخيرات } يعني فسارعوا في الخيرات. وإنما يعني بقوله: { فاستبقوا الخيرات } أي قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم، فبادروا بالأعمال الصالحة شكرا لربكم، وتزودوا في دنياكم لأخراكم، فإني قد بينت لكم سبيل النجاة فلا عذر لكم في التفريط، وحافظوا على قبلتكم، ولا تضيعوها كما ضيعها الأمم قبلكم فتضلوا كما ضلت كالذي: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فاستبقوا الخيرات } يقول: لا تغلبن على قبلتكم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فاستبقوا الخيرات } قال: الأعمال الصالحة.

القول في تأويل قوله تعالى: { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير }. ومعنى قوله: { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا } في أي مكان وبقعة تهلكون فيه يأت بكم الله جميعا يوم القيامة، { إن الله على كل شيء قدير }. كما: حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا } يقول: أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا } يعني يوم القيامة. وإنما حض الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزود في الدنيا للآخرة، فقال جل ثناؤه لهم: استبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة من حيث كنتم من بقاع الأرض، حتى يوفى المحسن منكم جزاءه بإحسانه، والمسيء عقابه بإساءته، أو يتفضل فيصفح. وأما قوله: { إن الله على كل شيء قدير } فإنه تعالى ذكره يعني أن الله تعالى على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم من حيث كنتم وعلى غير ذلك مما يشاء قدير، فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الأعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم.

[2.149]

يعني جل ثناؤه بقوله: { ومن حيث خرجت } ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت فول يا محمد وجهك، يقول: حول وجهك. وقد دللنا على أن التولية في هذا الموضع شطر المسجد الحرام، إنما هي الإقبال بالوجه نحوه وقد بينا معنى الشطر فيما مضى. وأما قوله: { وإنه للحق من ربك } فإنه يعني تعالى ذكره: وإن التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك، فحافظوا عليه، وأطيعوا الله في توجهكم قبله. وأما قوله: { وما الله بغافل عما تعملون } فإنه يقول: فإن الله تعالى ذكره ليس بساه عن أعمالكم ولا بغافل عنها، ولكنه محصيها لكم حتى يجازيكم بها يوم القيامة.

[2.150]

يعني بقوله تعالى ذكره: { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام }: من أي مكان وبقعة شخصت فخرجت يا محمد، فول وجهك تلقاء المسجد الحرام وهو شطره. ويعني بقوله: { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم } وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله وقصده. القول في تأويل قوله تعالى: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني }. فقال جماعة من أهل التأويل: عنى الله تعالى بالناس في قوله: { لئلا يكون للناس } أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة } يعني بذلك أهل الكتاب، قالوا حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة } يعني بذلك أهل الكتاب، قالوا حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. فإن قال قائل: فأية حجة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ قيل: قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك، قيل إنهم كانوا يقولون: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن، وقولهم: يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا! فهي الحجة التي كانوا يحتجون بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه الخصومة منهم لهم، والتمويه منهم بها على الجهال وأهل العناد من المشركين. وقد بينا فيما مضى أن معنى حجاج القوم إياه الذي ذكره الله تعالى ذكره في كتابه إنما هي الخصومات والجدال، فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم وحسمه بتحويل قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السلام، وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه: { لئلا يكون للناس عليكم حجة } يعني بالناس: الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصفت. وأما قوله: { إلا الذين ظلموا منهم } فإنهم مشركو العرب من قريش فيما تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { إلا الذين ظلموا منهم } قوم محمد صلى الله عليه وسلم. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي، قال: هم المشركون، من أهل مكة.

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { إلا الذين ظلموا منهم } يعني مشركي قريش. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { إلا الذين ظلموا منهم } قال: هم مشركو العرب. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: { إلا الذين ظلموا منهم } والذين ظلموا مشركو قريش. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج عن ابن جريج، قال: قال عطاء: هم مشركو قريش. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء. فإن قال قائل: وأية حجة كانت لمشركي قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في توجههم في صلاتهم إلى الكعبة؟ وهل يجوز أن يكون للمشركين على المؤمنين حجة فيما أمرهم الله تعالى ذكره به أو نهاهم عنه؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت وذهبت إليه، وإنما الحجة في هذا الموضع الخصومة والجدال. ومعنى الكلام: لئلا يكون لأحد من الناس عليكم خصومة ودعوى باطلة، غير مشركي قريش، فإن لهم عليكم دعوى باطلة وخصومة بغير حق بقيلهم لكم: رجع محمد إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا. فذلك من قولهم وأمانيهم الباطلة هي الحجة التي كانت لقريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن أجل ذلك استثنى الله تعالى ذكره الذين ظلموا من قريش من سائر الناس غيرهم، إذ نفى أن يكون لأحد منهم في قبلتهم التي وجههم إليها حجة. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } قوم محمد صلى الله عليه وسلم قال مجاهد: يقول: حجتهم، قولهم: قد رجعت قبلتنا. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله إلا أنه قال قولهم: قد رجعت إلى قبلتنا. حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن قتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } قالا: هم مشركو العرب، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم. قال الله عز وجل: { فلا تخشوهم واخشوني }. حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله: { إلا الذين ظلموا منهم } والذين ظلموا مشركو قريش، يقول: إنهم سيحتجون عليكم بذلك، فكانت حجتهم على نبي الله صلى الله عليه وسلم بانصرافه إلى البيت الحرام أنهم قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك كله.

حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي فيما يذكر عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم أهدى منه سبيلا، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني }. حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم }؟ قال: قالت قريش لما رجع إلى الكعبة وأمر بها: ما كان يستغني عنا قد استقبل قبلتنا. فهي حجتهم، وهم الذين ظلموا. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء، فقال مجاهد: حجتهم: قولهم رجعت إلى قبلتنا. فقد أبان تأويل من ذكرنا تأويله من أهل التأويل قوله: { إلا الذين ظلموا منهم } عن صحة ما قلنا في تأويله وأنه استثناء على معنى الاستثناء المعروف الذي يثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيا عما قبلهم، كما أن قول القائل: «ما سار من الناس أحد إلا أخوك» إثبات للأخ من السير ما هو منفي عن كل أحد من الناس، فكذلك قوله: { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } نفى عن أن يكون لأحد خصومة وجدل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوى باطلة عليه وعلى أصحابه بسبب توجههم في صلاتهم قبل الكعبة، إلا الذين ظلموا أنفسهم من قريش، فإن لهم قبلهم خصومة ودعوى باطلة بأن يقولوا: إنما توجهتم إلينا وإلى قبلتنا لأنا كنا أهدى منكم سبيلا، وأنكم كنتم بتوجهكم نحو بيت المقدس على ضلال وباطل. وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الحجة من أهل التأويل، فبين خطأ قول من زعم أن معنى قوله: { إلا الذين ظلموا منهم }: ولا الذين ظلموا منهم، وأن «إلا» بمعنى الواو لأن ذلك لو كان معناه لكان النفي الأول عن جميع الناس أن يكون لهم حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحولهم نحو الكعبة بوجوههم مبينا عن المعنى المراد، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك: { إلا الذين ظلموا منهم } إلا التلبيس الذي يتعالى عن أن يضاف إليه، أو يوصف به.

Bog aan la aqoon