Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[آل عمران: 48]. قال: وقرأ ابن زيد:
واتل عليهم نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ منها
[الأعراف: 175]. قال: لم ينتفع بالآيات حيث لم تكن معها حكمة. قال: والحكمة شيء يجعله الله في القلب ينور له به. والصواب من القول عندنا في الحكمة، أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم والمعرفة بها، وما دل عليه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذ من «الحكم» الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل بمنزلة «الجلسة والقعدة» من «الجلوس والقعود»، يقال منه: إن فلانا لحكيم بين الحكمة، يعني به أنه لبين الإصابة في القول والفعل. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم، وفصل قضائك، وأحكامك التي تعلمه إياها. القول في تأويل قوله تعالى: { ويزكيهم }. قد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى التزكية: التطهير، وأن معنى الزكاة: النماء والزيادة. فمعنى قوله: { ويزكيهم } في هذا الموضع: ويطهرهم من الشرك بالله وعبادة الأوثان وينميهم ويكثرهم بطاعة الله. كما: حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { يتلوا عليهم آياتك ويزكيهم } قال: يعني بالزكاة، طاعة الله والإخلاص. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: { ويزكيهم } قال: يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه. القول في تأويل قوله تعالى: { إنك أنت العزيز الحكيم }. يعني تعالى ذكره بذلك: إنك يا رب أنت العزيز القوي الذي لا يعجزه شيء أراده، فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك. والحكيم: الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك.
[2.130]
يعني تعالى ذكره بقوله: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } وأي الناس يزهد في ملة إبراهيم ويتركها رغبة عنها إلى غيرها. وإنما عنى الله بذلك اليهود والنصارى لاختيارهم ما اختاروا من اليهودية والنصرانية على الإسلام لأن ملة إبراهيم هي الحنيفية المسلمة، كما قال تعالى ذكره:
ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما
[آل عمران: 67] فقال تعالى ذكره لهم: ومن يزهد عن ملة إبراهيم الحنيفية المسلمة إلا من سفه نفسه. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } رغب عن ملته اليهود والنصارى، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم يعني الإسلام حنيفا، كذلك بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } قال: رغبت اليهود والنصارى عن ملة إبراهيم وابتدعوا اليهودية والنصرانية وليست من الله، وتركوا ملة إبراهيم الإسلام. القول في تأويل قوله تعالى: { إلا من سفه نفسه }. يعني تعالى ذكره بقوله: { إلا من سفه نفسه } إلا من سفهت نفسه، وقد بينا فيما مضى أن معنى السفه: الجهل. فمعنى الكلام: وما يرغب عن ملة إبراهيم الحنيفية إلا سفيه جاهل بموضع حظ نفسه فيما ينفعها ويضرها في معادها. كما: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { إلا من سفه نفسه } قال: إلا من أخطأ حظه. وإنما نصب «النفس» على معنى المفسر ذلك أن السفه في الأصل للنفس، فلما نقل إلى «من» نصبت «النفس» بمعنى التفسير، كما يقال: هو أوسعكم دارا، فتدخل «الدار» في الكلام على أن السعة فيه لا في الرجل. فكذلك النفس أدخلت، لأن السفه للنفس لا ل «من» ولذلك لم يجز أن يقال سفه أخوك، وإنما جاز أن يفسر بالنفس وهي مضافة إلى معرفة لأنها في تأويل نكرة. وقال بعض نحويي البصرة: إن قوله: { سفه نفسه } جرت مجرى «سفه» إذا كان الفعل غير متعد. وإنما عداه إلى «نفسه» و«رأيه» وأشباه ذلك مما هو في المعنى نحو سفه، إذا هو لم يتعد. فأما «غبن» و«خسر» فقد يتعدى إلى غيره، يقال: غبن خمسين، وخسر خمسين. القول في تأويل قوله تعالى: { ولقد اصطفيناه في الدنيا }. يعني تعال ذكره بقوله: { ولقد اصطفيناه في الدنيا } ولقد اصطفينا إبراهيم، والهاء التي في قوله: { اصطفيناه } من ذكر إبراهيم. والاصطفاء: الافتعال من الصفوة، وكذلك اصطفينا افتعلنا منه، صيرت تاؤها طاء لقرب مخرجها من مخرج الصاد.
ويعني بقوله: { اصطفيناه } اخترناه واجتبيناه للخلة، ونصيره في الدنيا لمن بعده إماما. وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خالف إبراهيم فيما سن لمن بعده فهو لله مخالف، وإعلام منه خلقه أن من خالف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو لإبراهيم مخالف وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أنه اصطفاه لخلته، وجعله للناس إماما، وأخبر أن دينه كان الحنيفية المسلمة. ففي ذلك أوضح البيان من الله تعالى ذكره عن أن من خالفه فهو لله عدو لمخالفته الإمام الذي نصبه الله لعباده. القول في تأويل قوله تعالى: { وإنه في الآخرة لمن الصالحين }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } وإن إبراهيم في الدار الآخرة لمن الصالحين. والصالح من بني آدم هو المؤدي حقوق الله عليه. فأخبر تعالى ذكره عن إبراهيم خليله أنه في الدنيا له صفي، وفي الآخرة ولي، وإنه وارد موارد أوليائه الموفين بعهده.
[2.131]
يعني تعالى ذكره بقوله: { إذ قال له ربه أسلم } إذ قال له ربه: أخلص لي العبادة، واخضع لي بالطاعة، وقد دللنا فيما مضى على معنى الإسلام في كلام العرب، فأغنى عن إعادته. وأما معنى قوله: { قال أسلمت لرب العالمين } فإنه يعني تعالى ذكره: قال إبراهيم مجيبا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت بالعبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره. فإن قال قائل: قد علمت أن «إذ» وقت فما الذي وقت به، وما الذي صلة؟ قيل: هو صلة لقوله:
Bog aan la aqoon