293

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

[البقرة: 125] وقال: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }. والخبر الذي ذكرناه عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل، يدل على خلاف الذي قاله هؤلاء، وأنه أمر من الله تعالى ذكره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وجميع الخلق المكلفين. وقرأه بعض قراء أهل المدينة والشام: «واتخذوا» بفتح الخاء على وجه الخبر. ثم اختلف في الذي عطف عليه بقوله: «واتخذوا» إذا قرىء كذلك على وجه الخبر، فقال بعض نحويي البصرة: تأويله إذا قرىء كذلك: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا وإذ اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.

وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك معطوف على قوله: { جعلنا } فكان معنى الكلام على قوله: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس واتخذوه مصلى. والصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا: { واتخذوا } بكسر الخاء، على تأويل الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى للخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا، وأن عمرو بن علي: حدثنا قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وفي مقام إبراهيم. فقال بعضهم: مقام إبراهيم: هو الحج كله. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: { مقام إبراهيم } قال: الحج كله مقام إبراهيم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال: الحج كله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان. عن ابن جريج، عن عطاء، قال: الحج كله مقام إبراهيم. وقال آخرون: مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رياح: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال: لأني قد جعلته إماما فمقامه عرفة والمزدلفة والجمار. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال: مقامه جمع وعرفة ومنى لا أعلمه إلا وقد ذكر مكة. حدثنا عمرو بن علي، قال ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال: مقامه عرفة. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا داود، عن الشعبي قال: نزلت عليه وهو واقف بعرفة مقام إبراهيم:

اليوم أكملت لكم دينكم

[المائدة: 3] الآية. حدثنا عمرو قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن الشعبي، مثله. وقال آخرون: مقام إبراهيم: الحرم. ذكر من قال ذلك: حدثت عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال: الحرم كله مقام إبراهيم. وقال آخرون: مقام إبراهيم: الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه، وضعف عن رفع الحجارة.

ذكر من قال ذلك: حدثنا سنان القزاز، قال: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، قال: ثنا إبراهيم بن نافع، قال: سمعت كثير بن كثير يحدث عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جعل إبراهيم يبنيه، وإسماعيل يناوله الحجارة، ويقولان:

ربنا تقبل منآ إنك أنت السميع العليم

[البقرة: 127] فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر، فهو مقام إبراهيم. وقال آخرون: بل مقام إبراهيم، هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا مما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه،فيها فما زالت هذه الأمم يمسحونه حتى اخلولق وانمحى. حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فهم يصلون خلف المقام. حدثني يونس، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وهو الصلاة عند مقامه في الحج. والمقام: هو الحجر الذي كانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه، فوضع إبراهيم رجله عليه وهو راكب، فغسلت شقه ثم رفعته من تحته وقد غابت رجله في الحجر، فوضعته تحت الشق الآخر فغسلته، فغابت رجله أيضا فيه، فجعلها الله من شعائره، فقال: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }. وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ما قاله القائلون إن مقام إبراهيم: هو المقام المعروف بهذا الاسم، الذي هو في المسجد الحرام لما روينا آنفا عن عمر بن الخطاب، ولما: حدثنا يوسف بن سليمان، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن، فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين. فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره إنما عنى بمقام إبراهيم الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا. ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان الواجب فيه من القول ما قلنا وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول، حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك مما يجب التسليم له. ولا شك أن المعروف في الناس بمقام إبراهيم هو المصلى الذي قال الله تعالى ذكره: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فإن أهل التأويل مختلفون في معناه، فقال بعضهم: هو المدعى.

ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال: مصلى إبراهيم مدعى. وقال آخرون: معنى ذلك : اتخذوا مصلى تصلون عنده. ذكر من قال ذلك: حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: أمروا أن يصلوا عنده. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: هو الصلاة عنده. فكأن الذين قالوا تأويل المصلى ههنا المدعى، وجهوا المصلى إلى أنه مفعل من قول القائل: صليت بمعنى دعوت. وقائلوا هذه المقالة هم الذين قالوا: إن مقام إبراهيم هو الحج كله. فكان معناه في تأويل هذه الآية: واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار وسائر أماكن الحج التي كان إبراهيم يقوم بها مداعي تدعونني عندها، وتأتمون بإبراهيم خليلي عليه السلام فيها، فإني قد جعلته لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إماما يقتدون به وبآثاره، فاقتدوا به. وأما تأويل القائلين القول الآخر، فإنه: اتخذوا أيها الناس من مقام إبراهيم مصلى تصلون عنده، عبادة منكم، وتكرمة مني لإبراهيم. وهذا القول هو أولى بالصواب لما ذكرنا من الخبر عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. القول في تأويل قوله تعالى: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وعهدنا } وأمرنا. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره. حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وعهدنا إلى إبراهيم } قال: أمرناه. فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين. والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت، هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك بالله. فإن قال قائل: وما معنى قوله: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين } وهل كان أيام إبراهيم قبل بنائه البيت بيت يطهر من الشرك وعبادة الأوثان في الحرم، فيجوز أن يكونا أمرا بتطهيره؟ قيل: لذلك وجهان من التأويل، قد كان لكل واحد من الوجهين جماعة من أهل التأويل، أحدهما: أن يكون معناه: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مطهرا من الشرك والريب، كما قال تعالى ذكره:

أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار

[التوبة: 109]، فكذلك قوله: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } أي ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب. كما: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } يقول: ابنيا بيتي.

Bog aan la aqoon