290

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

[الروم: 17-18]. أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته، كان معلوما أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن أن يصلي كل يوم أربع ركعات. غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر. والصواب من القول في معنى الكلمات التي أخبر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم ما بينا آنفا. ولو قال قائل في ذلك: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا، لأن قوله: { إني جاعلك للناس إماما } وقوله:

وعهدنآ إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين

[البقرة: 125] وسائر الآيات التي هي نظير ذلك كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم. القول في تأويل قوله تعالى: { فأتمهن }. يعني جل ثناؤه بقوله: فأتمهن فأتم إبراهيم الكلمات، وإتمامه إياهن إكماله إياهن بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن وهو الوفاء الذي قال الله جل ثناؤه:

وإبراهيم الذي وفى

[النجم: 37] يعني وفى بما عهد إليه بالكلمات، فأمره به من فرائضه ومحنة فيها. كما: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس: { فأتمهن } أي فأداهن. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فأتمهن } أي عمل بهن، فأتمهن. حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { فأتمهن } أي عمل بهن فأتمهن. القول في تأويل قوله تعالى: { قال إني جاعلك للناس إماما }. يعني جل ثناؤه بقوله: { إني جاعلك للناس إماما } فقال الله: يا إبراهيم إني مصيرك للناس إماما يؤتم به ويقتدي به.

كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { إني جاعلك للناس إماما } ليؤتم به، ويقتدي به يقال منه: أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة إذا كنت إمامهم. وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم: { إني جاعلك للناس إماما } إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي، فتقدمهم أنت، ويتبعون هديك، ويستنون بسنتك التي تعمل بها بأمري إياك ووحيي إليك. القول في تأويل قوله تعالى: { قال ومن ذريتي }. يعني جل ثناؤه بذلك، قال إبراهيم لما رفع الله منزلته وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم يهتدي بهديه ويقتدي بأفعاله وأخلاقه: يا رب ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم كالذي جعلتني إماما يؤتم به ويتقدى بي مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها. كما: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال إبراهيم: { ومن ذريتي } يقول: فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدي به. وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم: { ومن ذريتي } مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه، كما قال:

واجنبني وبني أن نعبد الأصنام

[إبراهيم: 35] فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه بقوله: { لا ينال عهدي الظالمين }. والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة لأن قول إبراهيم صلوات الله عليه: { ومن ذريتي } في إثر قول الله جل ثناؤه: { إني جاعلك للناس إماما } فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه لكان مبينا ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره، اكتفى بالذكر الذي قد مضى من تكريره وإعادته، فقال: { ومن ذريتي } بمعنى: ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به من الإمامة للناس. القول في تأويل قوله تعالى: { قال لا ينال عهدي الظالمين }. هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير، وهو من الله جل ثناؤه جواب لما توهم في مسألته إياه أن يجعل من ذريته أئمة مثله، فأخبر أنه فاعل ذلك إلا بمن كان من أهل الظلم منهم، فإنه غير مصيره كذلك، ولا جاعله في محل أوليائه عنده بالتكرمة بالإمامة لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به. واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه، فقال بعضهم: ذلك العهد هو النبوة. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: { لا ينال عهدي الظالمين } يقول: عهدي، نبوتي.

فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية: لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك. وقال آخرون: معنى العهد عهد الإمامة، فتأويل الآية على قولهم: لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما إماما لعبادي يقتدي به. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا يكون إمام ظالما. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال الله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا يكون إمام ظالما. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة بمثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا يكون إمام ظالم يقتدي به. حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا مسروق بن أبان الحطاب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد في قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا أجعل إماما ظالما يقتدي به. حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا أجعل إماما ظالما يقتدي به. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا يكون إماما ظالم. قال ابن جريج: وأما عطاء فإنه قال: { إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي } فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما قلت لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه أن تطيعه فيه. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن إسرائيل، عن مسلم الأعور، عن مجاهد، عن ابن عباس: { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال: ليس للظالمين عهد، وإن عاهدته فانقضه. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ليس لظالم عهد. وقال آخرون: معنى العهد في هذا الموضع: الأمان. فتأويل الكلام على معنى قولهم، قال الله: لا ينال أماني أعدائي، وأهل الظلم لعبادي أي لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { قال لا ينال عهدي الظالمين } ذلكم عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالم، فأما في الدنيا فقد نالوا عهد الله، فوارثوا به المسلمين وعادوهم وناكحوهم به، فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم وأكل به وعاش. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم: { قال لا ينال عهدي الظالمين } قال: لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وأبصر وعاش. وقال آخرون: بل العهد الذي ذكره الله في هذا الموضع: دين الله. ذكر من قال ذلك: حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال الله لإبراهيم: { لا ينال عهدي الظالمين } فقال: فعهد الله الذي عهد إلى عباده: دينه. يقول: لا ينال دينه الظالمين، ألا ترى أنه قال:

Bog aan la aqoon