283

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

بمعنى: فهلا تعدون الكمي المقنع؟ كما: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { لولا يكلمنا الله } قال: فهلا يكلمنا الله. قال أبو جعفر: فأما الآية فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة. وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: هلا تأتينا آية على ما نريده ونسأل، كما أتت الأنبياء والرسل فقال عز وجل: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم }. القول في تأويل قوله تعالى: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم }. اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } ، فقال بعضهم في ذلك بما: حدثني به محمد بن عمرو، وقال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } هم اليهود. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { قال الذين من قبلهم } اليهود. وقال آخرون: هم اليهود والنصارى، لأن الذين لا يعلمون هم اليهود. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: { قال الذين من قبلهم } يعني اليهود والنصارى وغيرهم. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قالوا يعني العرب، كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { كذلك قال الذين من قبلهم } مثل قولهم يعني اليهود والنصارى. قال أبو جعفر: قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله: { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله } هم النصارى، والذين قالت مثل قولهم هم اليهود، وسألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة، وأن يسمعهم كلام ربهم، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا، وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكما منهم على ربهم، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات.

فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله. فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { تشابهت قلوبهم } قلوب النصارى واليهود. وقال غيرهم: معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { تشابهت قلوبهم } يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم. حدثني المثنى، ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { تشابهت قلوبهم } يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم. وغير جائز في قوله: { تشابهت } التثقيل، لأن التاء التي في أولها زائدة أدخلت في قوله: «تفاعل»، وإن ثقلت صارت تاءين ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما، لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال، والأخرى منها التي في «تفاعل»، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل فيقال: تشابه بعد اليوم قلوبنا. فمعنى الآية: وقالت النصارى الجهال بالله وبعظمته: هلا يكلمنا الله ربنا كما كلم أنبياءه ورسله، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه: فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم. قال من قبلهم من اليهود، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة، ويؤتيهم آية، واحتكموا عليه وعلى رسله، وتمنوا الأماني. فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها. القول في تأويل قوله تعالى: { قد بينا الآيات لقوم يوقنون }. يعني جل ثناؤه بقوله: { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } قد بينا العلامات التي من أجلها غضب الله على اليهود وجعل منهم القردة والخنازير، وأعد لهم العذاب المهين في معادهم، والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا، وأعد لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة، والتي من أجلها جعل سكان الجنان الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها. فاعلموا الأسباب التي من أجلها استحق كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك، وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة. فأخبر الله جل ثناؤه أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك ليزول شكه، ويعلم حقيقة الأمر إذ كان ذلك خبرا من الله جل ثناؤه، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشك فيه. وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب، وذلك منفي عن خبر الله عز وجل.

[2.119]

ومعنى قوله جل ثناؤه: { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا } إنا أرسلناك يا محمد بالإسلام الذي لا أقبل من أحد غيره من الأديان وهو الحق مبشرا من اتبعك فأطاعك وقبل منك ما دعوته إليه من الحق، بالنصر في الدنيا، والظفر بالثواب في الآخرة، والنعيم المقيم فيها ومنذرا من عصاك فخالفك ورد عليك ما دعوته إليه من الحق بالخزي في الدنيا، والذل فيها، والعذاب المهين في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى : { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } وقال أبو جعفر: قرأت عامة القراء: { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } بضم التاء من «تسأل» ورفع اللام منها على الخبر، بمعنى: يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغت ما أرسلت به، وإنما عليك البلاغ والإنذار، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق وكان من أهل الجحيم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: «ولا تسأل» جزما بمعنى النهي مفتوح التاء من «تسأل»، وجزم اللام منها. ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم، فلا تسأل عن حالهم. وتأول الذين قرءوا هذه القراءة ما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبده، عن محمد بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ليت شعري ما فعل أبواي "

فنزلت { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم }. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن موسى بن عبده عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي "

ثلاثا، فنزلت: { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } فما ذكرهما حتى توفاه الله. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني داود بن أبي عاصم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم:

" ليت شعري أين أبواي؟ "

فنزلت: { إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم }. والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع على الخبر لأن الله جل ثناؤه قص قصص أقوام من اليهود والنصارى، وذكر ضلالتهم، وكفرهم بالله، وجراءتهم على أنبيائه، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك يا محمد بشيرا من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه، ونذيرا من كفر بك وخالفك، فبلغ رسالتي، فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة، ولا أنت مسئول عما فعل بعد ذلك.

Bog aan la aqoon