Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
" الضالون "
يعني النصارى. وحدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد: { ولا الضالين } قال: النصارى. وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمار، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { ولا الضالين } قال: وغير طريق النصارى الذين أضلهم الله بفريتهم عليه. قال: يقول: فألهمنا دينك الحق، وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حتى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود ولا تضلنا كما أضللت النصارى فتعذبنا بما تعذبهم به. يقول: امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك. وحدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس الضالين: النصارى. وحدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ولا الضالين: هم النصارى. وحدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن ربيع: ولا الضالين: النصارى. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: ولا الضالين النصارى. وحدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه. قال: ولا الضالين النصارى. قال أبو جعفر: وكل حائد عن قصد السبيل وسالك غير المنهج القويم فضال عند العرب لإضلاله وجه الطريق، فلذلك سمى الله جل ذكره النصارى ضلالا لخطئهم في الحق منهج السبيل، وأخذهم من الدين في غير الطريق المستقيم. فإن قال قائل: أو ليس ذلك أيضا من صفة اليهود؟ قيل: بلى. فإن قال: كيف خص النصارى بهذه الصفة، وخص اليهود بما وصفهم به من أنهم مغضوب عليهم؟ قيل: إن كلا الفريقين ضلال مغضوب عليهم، غير أن الله جل ثناؤه وسم كل فريق منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به إذا ذكره لهم، أو أخبرهم عنه، ولم يسم واحدا من الفريقين إلا بما هو له صفة على حقيقته، وإن كان له من صفات الذم زيادات عليه. وقد ظن بعض أهل الغباء من القدرية أن في وصف الله جل ثناؤه النصارى بالضلال بقوله: { ولا الضالين } وإضافته الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم المضللون كالذي وصف به اليهود أنهم المغضوب عليهم، دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القدرية جهلا منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه. ولو كان الأمر على ما ظنه الغبي الذي وصفنا شأنه لوجب أن يكون شأن كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره، وأن يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب فالحق فيه أن يكون مضافا إلى مسببه، ولو وجب ذلك لوجب أن يكون خطأ قول القائل: «تحركت الشجرة» إذا حركتها الرياح، و«اضطربت الأرض» إذا حركتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب.
وفي قول الله جل ثناؤه:
حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم
[يونس: 22] بإضافته الجري إلى الفلك، وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها، ما يدل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله: { ولا الضآلين } ، وادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من النصارى تصحيحا لما ادعى المنكرون أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وجدت أفعالهم، مع إبانة الله عز ذكره نصا في آي كثيرة من تنزيله أنه المضل الهادي فمن ذلك قوله جل ثناؤه:
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون
[الجاثية: 23] فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره. ولكن القرآن نزل بلسان العرب، على ما قد قدمنا البيان عنه في أول الكتاب. ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه، وإن كان مسببه غير الذي وجد منه أحيانا، وأحيانا إلى مسببه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيره. فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبا ويوجده الله جل ثناؤه عينا منشأة؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه كسبا له بالقوة منه عليه والاختيار منه له، وإلى الله جل ثناؤه بإيجاد عينه وإنشائها تدبيرا .مسئلة يسأل عنها أهل الإلحاد الطاعنون في القرآن إن سألنا منهم سائل فقال: إنك قد قدمت في أول كتابك هذا في وصف البيان بأن أعلاه درجة وأشرفه مرتبة، أبلغه في الإبانة عن حاجة المبين به عن نفسه وأبينه عن مراد قائله وأقربه من فهم سامعه، وقلت مع ذلك إن أولى البيان بأن يكون كذلك كلام الله جل ثناؤه بفضله على سائر الكلام وبارتفاع درجته على أعلى درجات البيان. فما الوجه إذ كان الأمر على ما وصفت في إطالة الكلام بمثل سورة أم القرآن بسبع آيات؟ وقد حوت معاني جميعها منها آيتان، وذلك قوله:
ملك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين
[الفاتحة: 4-5] إذ كان لا شك أن من عرف:
ملك يوم الدين
Bog aan la aqoon