Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 93] بمعنى حب العجل ونحو ذلك. فتأويل الآية إذا: ما نغير من حكم آية فنبدله أو نتركه فلا نبدله، نأت بخير لكم أيها المؤمنون حكما منها، أو مثل حكمها في الخفة والثقل والأجر والثواب. فإن قال قائل: فإنا قد علمنا أن العجل لا يشرب في القلوب وأنه لا يلتبس على من سمع قوله:
وأشربوا في قلوبهم العجل
[البقرة: 93] أن معناه: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فما الذي يدل على أن قوله: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها } لذلك نظير؟ قيل: الذي دل على أن ذلك كذلك قوله: { نأت بخير منها أو مثلها } وغير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء لأن جميعه كلام الله، ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال بعضها أفضل من بعض وبعضها خير من بعض.
القول في تأويل قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }. يعني جل ثناؤه بقوله: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ألم تعلم يا محمد أني قادر على تعويضك مما نسخت من أحكامي وغيرته من فرائضي التي كنت افترضتها عليك ما أشاء مما هو خير لك ولعبادي المؤمنين معك وأنفع لك ولهم، إما عاجلا في الدنيا وإما آجلا في الآخرة. أو بأن أبدل لك ولهم مكانه مثله في النفع لهم عاجلا في الدنيا وآجلا في الآخرة وشبيهه في الخفة عليك وعليهم. فاعلم يا محمد أني على ذلك وعلى كل شيء قدير. ومعنى قوله: قدير في هذا الموضع: قوي، يقال منه: «قد قدرت على كذا وكذا». إذا قويت عليه «أقدر عليه وأقدر عليه قدرة وقدرانا ومقدرة». وبنو مرة من غطفان تقول: «قدرت عليه» بكسر الدال. فأما من التقدير من قول القائل: «قدرت الشيء» فإنه يقال منه: «قدرته أقدره قدرا وقدرا».
[2.107]
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه له ملك السموات والأرض حتى قيل له ذلك؟ قيل: بلى، فقد كان بعضهم يقول: إنما ذلك من الله جل ثناؤه خبر عن أن محمدا قد علم ذلك ولكنه قد أخرج الكلام مخرج التقرير كما تفعل مثله العرب في خطاب بعضها بعضا، فيقول أحدهم لصاحبه: ألم أكرمك؟ ألم أتفضل عليك؟ بمعنى إخباره أنه قد أكرمه وتفضل عليه، يريد أليس قد أكرمتك؟ أليس قد تفضلت عليك؟ بمعنى قد علمت ذلك. قال: وهذا لا وجه له عندنا وذلك أن قوله جل ثناؤه { ألم تعلم } إنما معناه: أما علمت. وهو حرف جحد أدخل عليه حرف استفهام، وحروف الاستفهام إنما تدخل في الكلام إما بمعنى الاستثبات، وإما بمعنى النفي. فأما بمعنى الإثبات فذلك غير معروف في كلام العرب، ولاسيما إذا دخلت على حروف الجحد ولكن ذلك عندي وإن كان ظهر ظهور الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنما هو معني به أصحابه الذين قال الله جل ثناؤه:
لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا
[البقرة: 104]. والذي يدل على أن ذلك كذلك قوله جل ثناؤه: { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } فعاد بالخطاب في آخر الآية إلى جميعهم، وقد ابتدأ أولها بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: { ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض } لأن المراد بذلك الذين وصفت أمرهم من أصحابه، وذلك من كلام العرب مستفيض بينهم فصيح. أن يخرج المتكلم كلامه على وجه الخطاب منه لبعض الناس وهو قاصد به غيره، وعلى وجه الخطاب لواحد وهو يقصد به جماعة غيره، أو جماعة والمخاطب به أحدهم وعلى وجه الخطاب للجماعة والمقصود به أحدهم، من ذلك قول الله جل ثناؤه:
يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين
[الأحزاب: 1] فرجع إلى خطاب الجماعة، وقد ابتدأ الكلام بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم. ونظير ذلك قول الكميت بن زيد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
Bog aan la aqoon