Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
يعني بقوله جل ثناؤه: { أفتطمعون } يا أصحاب محمد، أي أفترجون يا معشر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم والمصدقين ما جاءكم به من عند الله أن يؤمن لكم يهود بني إسرائيل؟ ويعني بقوله: { أن يؤمنوا لكم } أن يصدقوكم بما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم محمد من عند ربكم. كما: حدثت عن عمار بن الحسن، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا لكم، يقول: أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود؟. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } الآية، قال: هم اليهود. القول في تأويل قوله تعالى: { وقد كان فريق منهم }. قال أبو جعفر: أما الفريق فجمع كالطائفة لا واحد له من لفظه، وهو فعيل من التفرق سمي به الجماع كما سميت الجماعة بالحزب من التحزب وما أشبه ذلك، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
أجدوا فلما خفت أن يتفرقوا
فريقين منهم مصعد ومصوب
يعني بقوله: { منهم } من بني إسرائيل. وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعدهم من بني إسرائيل من اليهود الذين قال الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } لأنهم كانوا آباؤهم وأسلافهم، فجعلهم منهم إذ كانوا عشائرهم وفرطهم وأسلافهم، كما يذكر الرجل اليوم الرجل وقد مضى على منهاج الذاكر وطريقته وكان من قومه وعشيرته، فيقول: كان منا فلان يعني أنه كان من أهل طريقته أو مذهبه أو من قومه وعشيرته فكذلك قوله: { وقد كان فريق منهم }. القول في تأويل قوله تعالى: { يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }. اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله: { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }. فقال بعضهم بما: حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } فالذين يحرفونه والذين يكتمونه: هم العلماء منهم. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه } قال: هي التوراة حرفوها. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { يسمعون كلام الله ثم يحرفونه } قال: التوراة التي أنزلها عليهم يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا، والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال لهم:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون
[البقرة: 44]. وقال آخرون في ذلك بما: حدثت عن عمار بن الحسن، قال: أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: { وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } الآية، قال: ليس قوله: { يسمعون كلام الله } يسمعون التوراة، كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم، فأخذتهم الصاعقة فيها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى: يا موسى قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل، فأسمعنا كلامه حين يكلمك فطلب ذلك موسى إلى ربه، فقال: نعم، فمرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتى الطور، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام، فوقعوا سجودا، وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتى عقلوا ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم. فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة، ما قاله الربيع بن أنس والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم، من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل سماع موسى إياه منه ثم حرف ذلك وبدل من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه. وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذانا منه تعالى ذكره عباده المؤمنين وقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى، فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم بالذي تخبرونهم من الإنباء عن الله عز وجل عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه؟ وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه، وأمره ونهيه ، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه وهم به عالمون فيجحدوه ويكذبوا من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف.
ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عنى بقوله: { يسمعون كلام الله } يسمعون التوراة، لم يكن لذكر قوله: { يسمعون كلام الله } معنى مفهوم لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف. فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له. فإن ظن ظان إنما صلح أن يقال ذلك لقوله: { يحرفونه } فقد أغفل وجه الصواب في ذلك. وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود كانوا أعطوا من مباشرتهم سماع كلام الله تعالى ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك، فلذلك وصفهم بما وصفهم به للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره. ويعني بقوله: { ثم يحرفونه } ثم يبدلون معناه، وتأويله: ويغيرونه. وأصله من انحراف الشيء عن جهته، وهو ميله عنها إلى غيرها. فكذلك قوله: { يحرفونه }: أي يميلونه عن وجهه، ومعناه الذي هو معناه إلى غيره. فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرفوا، وأنه بخلاف ما حرفوه إليه، فقال: { يحرفونه من بعد ما عقلوه } يعني من بعد ما عقلوا تأويله { وهم يعلمون } أي يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون. وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى صلى الله عليه وسلم، وأن بقاياهم من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام.
[2.76]
أما قوله: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من إيمانهم من يهود بني إسرائيل الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قالوا آمنا. يعني بذلك أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله قالوا آمنا أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به وأقررنا بذلك. أخبر الله عز وجل عنهم أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين وسلكوا منهاجهم. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قوله: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } وذلك أن نفرا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا آمنا. وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر، وهو ما: حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إليكم خاصة. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } الآية، قال: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا. القول في تأويل قوله تعالى: { وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم }. يعني بقوله: { وإذا خلا بعضهم إلى بعض } أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم إلى بعض منهم فصاروا في خلاء من الناس غيرهم، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم، قالوا يعني قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم؟. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { بما فتح الله عليكم }. فقال بعضهم بما: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } يعني بما أمركم الله به، فيقول الآخرون: إنما نستهزىء بهم ونضحك.
وقال آخرون بما: حدثنا ابن حميد،ثنا سلمه،عن ابن اسحاق،عن محمد بن ابي محمد، عن عكرمه،أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي بصاحبكم رسول الله، ولكنه إليكم خاصة، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم. فأنزل الله: { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم } أي تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي صلى الله عليه وسلم الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به. يقول الله:
Bog aan la aqoon