189

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

واختلف أهل التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل. فقال بعضهم: يلزم ذلك كل من خرج من دين إلى غير دين. وقالوا: الذين عنى الله بهذا الاسم قوم لا دين لهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ولا دين لهم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الحجاج بن أرطاة، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن الحجاج، عن مجاهد، قال: الصابئون بين المجوس واليهود لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن حجاج، عن قتادة، عن الحسن مثل ذلك. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح: الصابئين بين اليهود والمجوس لا دين لهم. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال مجاهد: الصابئين بين المجوس واليهود، لا دين لهم. قال ابن جريج: قلت لعطاء: «الصابئين» زعموا أنها قبيلة من نحو السواد ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى. قال: قد سمعنا ذلك، وقد قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: قد صبأ. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: الصابئون قال: الصابئون: دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل يقولون: «لا إله إلا الله»، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله. قال: ولم يؤمنوا برسول الله، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: هؤلاء الصابئون. يشبهونهم بهم. وقال آخرون: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن، قال: حدثني زياد: أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس. قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية. قال: فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة. وحدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { والصابئين } قال: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤن الزبور. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور.

قال أبو جعفر الرازي: وبلغني أيضا أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة، ويقرءون الزبور، ويصلون إلى القبلة. وقال آخرون: بل هم طائفة من أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي عن سفيان، قال: سئل السدي عن الصابئين فقال: هم طائفة من أهل الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم }. قال أبو جعفر: يعني بقوله: { من آمن بالله واليوم الآخر }: من صدق وأقر بالبعث بعد الممات يوم القيامة وعمل صالحا فأطاع الله، فلهم أجرهم عند ربهم، يعني بقوله: { فلهم أجرهم عند ربهم } فلهم ثواب عملهم الصالح عند ربهم. فإن قال لنا قائل: فأين تمام قوله: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين }؟ قيل: تمامه جملة قوله: { من آمن بالله واليوم الآخر } لأن معناه: من آمن منهم بالله واليوم الآخر فترك ذكر منهم لدلالة الكلام عليه استغناء بما ذكر عما ترك ذكره. فإن قال: وما معنى هذا الكلام؟ قيل: إن معناه: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من يؤمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم. فإن قال: وكيف يؤمن المؤمن؟ قيل: ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته من انتقال من دين إلى دين كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان، وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى، وبما جاء به، حتى أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم، فآمن به وصدقه، فقيل لأولئك الذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به إذ أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم: آمنوا بمحمد وبما جاء به، ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع ثباته على إيمانه وتركه تبديله. وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين، فالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، فمن يؤمن منهم بمحمد، وبما جاء به واليوم الآخر، ويعمل صالحا، فلم يبدل ولم يغير، حتى توفي على ذلك، فله ثواب عمله وأجره عند ربه، كما وصف جل ثناؤه. فإن قال قائل: وكيف قال: فلهم أجرهم عند ربهم، وإنما لفظ من لفظ واحد، والفعل معه موحد؟ قيل: «من» وإن كان الذي يليه من الفعل موحدا، فإن له معنى الواحد والاثنين والجمع والتذكير والتأنيث، لأنه في كل هذه الأحوال على هيئة واحدة وصورة واحدة لا يتغير، فالعرب توحد معه الفعل وإن كان في معنى جمع للفظه، وتجمع أخرى معه الفعل لمعناه، كما قال جل ثناؤه:

ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون

[يونس: 42-43] فجمع مرة مع من الفعل لمعناه، ووحد أخرى معه الفعل لأنه في لفظ الواحد، كما قال الشاعر:

ألما بسلمى عنكما إن عرضتما

وقولا لها عوجي على من تخلفوا

فقال: تخلفوا، وجعل «من» بمنزلة الذين. وقال الفرزدق:

تعال فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فثنى يصطحبان لمعنى «من». فكذلك قوله: { من آمن بالله واليوم الآخر... فلهم أجرهم عند ربهم } وحد آمن وعمل صالحا للفظ من، وجمع ذكرهم في قوله: { فلهم أجرهم } لمعناه، لأنه في معنى جمع. وأما قوله: { ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } فإنه يعني به جل ذكره: ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده. ذكر من قال عني بقوله: { من آمن بالله }: مؤمنوا أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط بن نصر، عن السدي: { إن الذين آمنوا والذين هادوا } الآية، قال: نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي، وكان سلمان من جند يسابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له مواخيا، لا يقضي واحد منهما أمرا دون صاحبه، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا. فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من خباء، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي، فسألاه ما هذا، فقال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما، فنزلا إليه، فقال لهما: هذا كتاب جاء من عند الله، أمر فيه بطاعته، ونهى عن معصيته، فيه: أن لا تزني، ولا تسرق، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل. فقص عليهما ما فيه، وهو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى. فوقع في قلوبهما وتابعاه فأسلما، وقال لهما: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام، فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه، حتى كان عيد للملك، فجعل طعاما، ثم جمع الناس والأشراف، وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع الناس، فأبى الفتى وقال: إني عنك مشغول، فكل أنت وأصحابك، فلما أكثر عليه من الرسل، أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم، فبعث الملك إلى ابنه، فدعاه وقال: ما أمرك هذا؟ قال: إنا لا نأكل من ذبائحكم، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم، فقال له الملك: من أمرك بهذا؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك، فدعا الراهب فقال: ماذا يقول ابني؟ قال: صدق ابنك، قال له: لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك، ولكن اخرج من أرضنا فأجله أجلا. فقال سلمان: فقمنا نبكي عليه، فقال لهما: إن كنتما صادقين، فإنا في بيعة بالموصل مع ستين رجلا نعبد الله فيها، فأتونا فيها.

Bog aan la aqoon