Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[2.61]
القول في تأويل قوله تعالى ذكره { وإذ قلتم يموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها } قد دللنا فيما مضى قبل على معنى الصبر وأنه كف النفس وحبسها عن الشيء فإذا كان ذلك كذلك فمعنى الآية إذا واذكروا إذ قلتم يا معشر بني إسرائيل. لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد وذلك الطعام الواحد هو ما أخبر الله جل ثناؤه أنه أطعمهموه في تيههم وهو السلوى في قول بعض أهل التأويل، وفي قول وهب بن منبه هو الخبز النقي مع اللحم فاسأل لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من البقل والقثاء. وما سمى الله مع ذلك وذكر أنهم سألوه موسى. وكان سبب مسألتهم موسى ذلك فيما بلغنا، ما: حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: { وإذ قلتم يموسى لن نصبر على طعام واحد } قال: كان القوم في البرية قد ظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، فملوا ذلك، وذكروا عيشا كان لهم بمصر، فسألوه موسى، فقال الله تعالى: { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم }. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { لن نصبر على طعام واحد } قال: ملوا طعامهم، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك، قالوا { ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها }... الآية. حدثني المثنى ابن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: { وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد } قال: كان طعامهم السلوى، وشرابهم المن، فسألوا ما ذكر، فقيل لهم: { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم }. قال أبو جعفر، وقال قتادة: إنهم لما قدموا الشأم فقدوا أطعمتهم التي كانوا يأكلونها، فقالوا: { ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها } وكانوا قد ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، فملوا ذلك، وذكروا عيشا كانوا فيه بمصر. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيح في قوله عز وجل: { لن نصبر على طعام واحد } المن والسلوى، فاستبدلوا به البقل وما ذكر معه. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله سواء. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بمثله. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: أعطوا في التيه ما أعطوا، فملوا ذلك وقالوا { يموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها } حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أنبأنا ابن زيد، قال: كان طعام بني إسرائيل في التيه واحدا، وشرابهم واحدا، كان شرابهم عسلا ينزل لهم من السماء يقال له المن، وطعامهم طير يقال له السلوى، يأكلون الطير ويشربون العسل، لم يكونوا يعرفون خبزا ولا غيره.
فقالوا: يا موسى إنا لن نصبر على طعام واحد، فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها فقرأ حتى بلغ: { اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم }. وإنما قال جل ذكره: { يخرج لنا مما تنبت الأرض } ولم يذكر الذي سألوه أن يدعو ربه ليخرج لهم من الأرض، فيقول: قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا كذا وكذا مما تنبته الأرض من بقلها وقثائها، لأن «من» تأتي بمعنى التبعيض لما بعدها، فاكتفي بها عن ذكر التبعيض، إذ كان معلوما بدخولها معنى ما أريد بالكلام الذي هي فيه كقول القائل: أصبح اليوم عند فلان من الطعام يريد شيئا منه. وقد قال بعضهم: «من» ههنا بمعنى الإلغاء والإسقاط، كأن معنى الكلام عنده: يخرج لنا ما تنبت الأرض من بقلها. واستشهد على ذلك بقول العرب: ما رأيت من أحد، بمعنى: ما رأيت أحدا، وبقول الله: { ويكفر عنكم من سيئاتكم } وبقولهم: قد كان من حديث، فخل عني حتى أذهب، يريدون: قد كان حديث. وقد أنكر من أهل العربية جماعة أن تكون «من» بمعنى الإلغاء في شيء من الكلام، وادعوا أن دخولها في كل موضع دخلت فيه مؤذن أن المتكلم مريد لبعض ما أدخلت فيه لا جميعه، وأنها لا تدخل في موضع إلا لمعنى مفهوم. فتأويل الكلام إذا على ما وصفنا من أمر من ذكرنا: فادع لنا ربك يخرج لنا بعض ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها. والبقل والقثاء والعدس والبصل، هو ما قد عرفه الناس بينهم من نبات الأرض وحبها. وأما الفوم، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه. فقال بعضهم: هو الحنطة والخبز. ذكر من قال ذلك. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، قال: الفوم: الخبز. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء ومجاهد قوله: { وفومها } قالا: خبزها. حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو، قالا: ثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وفومها } قال: الخبز. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة والحسن: الفوم: هو الحب الذي تختبزه الناس.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن بمثله. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله: { وفومها } قال: الحنطة. حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط بن نصر عن السدي: { وفومها } الحنطة. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن وحصين، عن أبي مالك في قوله: { وفومها }: الحنطة. حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن قتادة قال: الفوم: الحب الذي يختبز الناس منه. حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال لي عطاء بن أبي رباح قوله: { وفومها } قال: خبزها. قالها مجاهد. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال لي ابن زيد: الفوم: الخبز. حدثني يحيى بن عثمان السهمي، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { وفومها } يقول: الحنطة والخبز. حدثت عن المنجاب، قال: ثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { وفومها } قال: هو البر بعينه الحنطة. حدثنا علي بن الحسن، قال: ثنا مسلم الجرمي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: { وفومها } قال: الفوم: الحنطة بلسان بني هاشم. حدثني عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم، قال: ثنا عبد العزيز بن منصور، عن نافع بن أبي نعيم أن عبد الله بن عباس سئل عن قول الله: { وفومها } قال: الحنطة، أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول:
قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا
ورد المدينة عن زراعة فوم
وقال آخرون: هو الثوم. ذكر من قال ذلك: حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، قال: هو هذا الثوم. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: الفوم: الثوم. وهو في بعض القراءات «وثومها». وقد ذكر أن تسمية الحنطة والخبز جميعا فوما من اللغة القديمة، حكي سماعا من أهل هذه اللغة: فوموا لنا، بمعنى اختبزوا لنا وذكر أن ذلك قراءة عبد الله بن مسعود «وثومها» بالثاء. فإن كان ذلك صحيحا فإنه من الحروف المبدلة، كقولهم: وقعوا في عاثور شر وعافور شر، وكقولهم للأثافي أثاثي، وللمغافير مغاثير، وما أشبه ذلك مما تقلب الثاء فاء والفاء ثاء لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء. والمغافير شبيه بالشيء الحلو يشبه بالعسل ينزل من السماء حلوا يقع على الشجر ونحوها.
القول في تأويل قوله تعالى: { قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير }. يعني بقوله: { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } قال لهم موسى: أتأخذون الذي هو أخس خطرا وقيمة وقدرا من العيش، بدلا بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا وذلك كان استبدالهم. وأصل الاستبدال: هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك. ومعنى قوله: أدنى أخس وأوضع وأصغر قدرا وخطرا، وأصله من قولهم: هذا رجل دني بين الدناءة، وإنه ليدني في الأمور بغير همز إذا كان يتتبع خسيسها. وقد ذكر الهمز عن بعض العرب في ذلك سماعا منهم، يقولون: ما كنت دنيا ولقد دنأت. وأنشدني بعض أصحابنا عن غيره أنه سمع بعض بني كلاب ينشد بيت الأعشى:
باسلة الوقع سرابيلها
بيض إلى دانئها الظاهر
Bog aan la aqoon