Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
بين النهار وبين الليل قد فصلا
وكقول أعشى همدان:
بين الأشج وبين قيس باذخ
بخ بخ لوالده وللمولود
وذلك جهل من قائله من أجل أن حظ «إياك» أن تكون مكررة مع كل فعل لما وصفنا آنفا من العلة، وليس ذلك حكم «بين» لأنها لا تكون إذا اقتضت اثنين إلا تكريرا إذا أعيدت، إذ كانت لا تنفرد بالواحد. وأنها لو أفردت بأحد الاسمين في حال اقتضائها اثنين كان الكلام كالمستحيل وذلك أن قائلا لو قال: الشمس قد فصلت بين النهار، لكان من الكلام خلفا لنقصان الكلام عما به الحاجة إليه من تمامه الذي يقتضيه «بين». ولو قال القائل: «اللهم إياك نعبد» لكان ذلك كلاما تاما. فكان معلوما بذلك أن حاجة كل كلمة كانت نظيرة «إياك نعبد» إلى «إياك» كحاجة «نعبد» إليها، وأن الصواب أن تكرر معها «إياك»، إذ كانت كل كلمة منها جملة خبر مبتدأ، وبينا حكم مخالفة ذلك حكم «بين» فيما وفق بينهما الذي وصفنا قوله.
[1.6]
قال أبو جعفر: ومعنى قوله: { اهدنا الصراط المستقيم } في هذا الموضع عندنا: وفقنا للثبات عليه، كما روي ذلك عن ابن عباس. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس قال: قال جبريل لمحمد: «قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم»، يقول: ألهمنا الطريق الهادي. وإلهامه إياه ذلك هو توفيقه له كالذي قلنا في تأويله. ومعناه نظير معنى قوله: { إياك نستعين } في أنه مسألة العبد ربه التوفيق للثبات على العمل بطاعته، وإصابة الحق والصواب فيما أمره به، ونهاه عنه فيما يستقبل من عمره دون ما قد مضى من أعماله، وتقضى فيما سلف من عمره، كما في قوله: { إياك نستعين } مسألة منه ربه المعونة على أداء ما قد كلفه من طاعته فيما بقي من عمره. فكان معنى الكلام: اللهم إياك نعبد وحدك لا شريك لك، مخلصين لك العبادة دون ما سواك من الآلهة والأوثان، فأعنا على عبادتك، ووفقنا لما وفقت له من أنعمت عليه من أنبيائك وأهل طاعتك من السبيل والمنهاج. فإن قال قائل: وأني وجدت الهداية في كلام العرب بمعنى التوفيق؟ قيل له: ذلك في كلامها أكثر وأظهر من أن يحصى عدد ما جاء عنهم في ذلك من الشواهد، فمن ذلك قول الشاعر:
لا تحرمني هداك الله مسألتي
ولا أكونن كمن أودى به السفر
يعني به: وفقك الله لقضاء حاجتي. ومنه قول الآخر:
Bog aan la aqoon