Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم، وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله. وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "
وأنه قال:
" ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة، وإني إختبأت دعوتي شفاعة لامتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا "
. فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم، وأن قوله: { ولا يقبل منها شفعة } إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد، فنستقصي الحجاج في ذلك، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله تعالى. القول في تأويل قوله تعالى: { ولا يؤخذ منها عدل }. قال أبو جعفر: والعدل في كلام العرب بفتح العين: الفدية. كما: حدثنا به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { ولا يؤخذ منها عدل } قال: يعني فداء. وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر عن السدي: { ولا يؤخذ منها عدل } أما عدل فيعدلها من العدل، يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: { ولا يؤخذ منها عدل } قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها. حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا حسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: قال ابن عباس: { ولا يؤخذ منها عدل } قال: بدل، والبدل: الفدية. حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { ولا يؤخذ منها عدل } قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها. وحدثني نجيح بن إبراهيم، قال: حدثنا علي بن حكيم، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء، قال: قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال:
" العدل: الفدية "
وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه عدل، لمعادلته إياه وهو من غير جنسه ومصيره له مثلا من وجه الجزاء، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة، كما قال جل ثناؤه: وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها، يقال منه: هذا عدله وعديله. وأما العدل بكسر العين، فهو مثل الحمل المحمول على الظهر، يقال من ذلك: عندي غلام عدل غلامك، وشاة عدل شاتك بكسر العين، إذا كان غلام يعدل غلاما، وشاة تعدل شاة، وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل: عندي عدل شاتك من الدراهم.
وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من العدل الذي هو بمعنى الفدية لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم، فأما واحد الأعدال فلم يسمع فيه إلا عدل بكسر العين. القول في تأويل قوله تعالى: { ولا هم ينصرون }. وتأويل قوله: { ولا هم ينصرون } يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر، كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات، وارتفع بين القوم التعاون والتناصر، وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جل ثناؤه: وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون. وكان ابن عباس يقول في معنى: لا تناصرون ما: حدثت به عن المنجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:
ما لكم لا تناصرون
ما لكم لا تمانعون منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم وقد قال بعضهم في معنى قوله: { ولا هم ينصرون }: وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل: ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية. قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بتأويل الآية لما وصفنا من الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الآية أن يوم القيامة يوم لا فدية لمن استحق من خلقه عقوبته، ولا شفاعة فيه، ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا، فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه.
Bog aan la aqoon