Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[طه: 108] وقال:
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى
[الأنبياء: 28] قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية وأصح القراءتين في التلاوة عندي التأويل الأول وهي قراءة من قرأ «ملك» بمعنى «الملك» لأن في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك، إذ كان معلوما أن لا ملك إلا وهو مالك، وقد يكون المالك لا ملكا. وبعد: فإن الله جل ذكره قد أخبر عباده في الآية التي قبل قوله: { ملك يوم الدين } أنه مالك جميع العالمين وسيدهم، ومصلحهم والناظر لهم، والرحيم بهم في الدنيا والآخرة بقوله: { الحمد لله رب العلمين الرحمن الرحيم }. فإذا كان جل ذكره قد أنبأهم عن ملكه إياهم كذلك بقوله: { رب العلمين } فأولى الصفات من صفاته جل ذكره، أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله: { رب العلمين الرحمن الرحيم } مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة، إذ كانت حكمته الحكمة التي لا تشبهها حكمة.
وكان في إعادة وصفه جل ذكره بأنه مالك يوم الدين، إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله: { رب العالمين } مع تقارب الآيتين وتجاور الصفتين. وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظ مختلفة بمعان متفقة، لا تفيد سامع ما كرر منه فائدة به إليها حاجة. والذي لم يحوه من صفاته جل ذكره ما قبل قوله: { ملك يوم الدين } المعنى الذي في قوله: «ملك يوم الدين»، وهو وصفه بأنه الملك. فبين إذا أن أولى القراءتين بالصواب وأحق التأويلين بالكتاب: قراءة من قرأه: «ملك يوم الدين»، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدين، دون قراءة من قرأ: مالك يوم الدين بمعنى: أنه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفردا به دون سائر خلقه. فإن ظن ظان أن قوله: { رب العالمين } نبأ عن ملكه إياهم في الدنيا دون الآخرة يوجب وصله بالنبأ عن نفسه أنه قد ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إياهم في الدنيا بقوله: { مالك يوم الدين } ، فقد أغفل وظن خطأ وذلك أنه لو جاز لظان أن يظن أن قوله: { رب العلمين } محصور معناه على الخبر عن ربوبية عالم الدنيا دون عالم الآخرة مع عدم الدلالة على أن معنى ذلك كذلك في ظاهر التنزيل، أو في خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم به منقول، أو بحجة موجودة في المعقول، لجاز لآخر أن يظن أن ذلك محصور على عالم الزمان الذي فيه نزل قوله: رب العالمين دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين، إذ كان صحيحا بما قد قدمنا من البيان أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي بعده. فإن غبي عن علم صحة ذلك بما قد قدمنا ذو غباء، فإن في قول الله جل ثناؤه:
ولقد ءاتينا بنى إسرءيل الكتب والحكم والنبوة ورزقنهم من الطيبت وفضلنهم على العلمين
[الجاثية: 16] دلالة واضحة على أن عالم كل زمان غير عالم الزمان الذي كان قبله وعالم الزمان الذي بعده. إذ كان الله جل ثناؤه قد فضل أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم الخالية، وأخبرهم بذلك في قوله:
كنتم خير أمة أخرجت للناس
[آل عمران: 110] الآية. فمعلوم بذلك أن بني إسرائيل في عصر نبينا، لم يكونوا مع تكذيبهم به صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام الساعة، المؤمنون به المتبعون منهاجه، دون من سواهم من الأمم المكذبة الضالة عن منهاجه. فإذ كان بينا فساد تأويل متأول لو تأول قوله: رب العالمين أنه معني به: أن الله رب عالمي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون عالمي سائر الأزمنة غيره، كان واضحا فساد قول من زعم أن تأويله: رب عالم الدنيا دون عالم الآخرة، وأن مالك يوم الدين استحق الوصل به ليعلم أنه في الآخرة من ملكهم وربوبيتهم بمثل الذي كان عليه في الدنيا.
ويسأل زاعم ذلك الفرق بينه وبين متحكم مثله في تأويل قوله: رب العالمين تحكم، فقال: إنه إنما عني بذلك أنه رب عالمي زمان محمد دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده، كالذي زعم قائل هذا القول إنه عنى به عالم الدنيا دون عالم الآخرة لله من أصل أو دلالة. فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. وأما الزاعم أن تأويل قوله: { ملك يوم الدين } أنه الذي يملك إقامة يوم الدين، فإن الذي ألزمنا قائل هذا القول الذي قبله له لازم، إذ كانت إقامة القيامة إنما هي إعادة الخلق الذين قد بادوا لهيئاتهم التي كانوا عليها قبل الهلاك في الدار التي أعد الله لهم فيها ما أعد. وهم العالمون الذين قد أخبر جل ذكره عنهم أنه ربهم في قوله: { رب العلمين }. وأما تأويل ذلك في قراءة من قرأ: { ملك يوم الدين } فإنه أراد: يا مالك يوم الدين، فنصبه بنية النداء والدعاء، كما قال جل ثناؤه:
يوسف أعرض عن هذا
Bog aan la aqoon