مسألة: [إنكار أن العالم من صانعين قديمين]
وأما ما ذكرت من قولهم: إن قال قائل: ما تنكر أن يكون العالم من صانعين قديمين؟
قيل له: أنكرنا عليه أشد الإنكار؛ لأنه لو كانا اثنين لكان لا يخلو أن يقع بينهما تمانع، وذلك أنه لو أراد أحدهما أن يجعل جسما في مكان ويريد الآخر أن يجعل في ذلك جسما غير ذلك، أو يريد أحدهما تسكين جسم ويريد الآخر تحريكه، أو يريد أحدهما بقاء جسم ويريد الآخر فناءه، فلا يجوز أن يكون ما أراداه جميعا، فيكونا جسمين في مكان، أو يكون جسما متحركا ساكنا في حال ووقت واحد، فلما لم يصح ذلك ثبت وصح أن الله إله واحد، ليس كمثله شيء، وقد قال الله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون}، وقال: {لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون}. وقال: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا}، فدل هذا من القرآن وغيره ما يبطل حجة الثنوية وغيرهم من الملل، وممن يزعم أن مع الله إلها آخر غيره، وثبت بذلك وحدانيته.
ولو كانا اثنين لم يخل أن يقدر كل واحد منهما على الآخر أو لا يقدر، فإن كانا لا يقدران فهما ضعيفان، والضعيف ليس بإله، وإن كان يقدر أحدهما على الآخر فالمقدور عليه ضعيف عاجز، والضعيف لا يكون إلها، وإن كان لا يقدر أحدهما على الآخر فهما عاجزان، والعاجز لا يكون إلها، فبطل ما اعتلوا به.
Bogga 9