وقد بين الله في كتابه معنى البراءة، فقال: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، وليس كفرهم بالطاغوت إنكارا لذلك، ولا جحودا به أنه ليس بالطاغوت، وإنما أمروا أن |يكفروا بأن| يبرؤوا منه، فقد أوجب البراءة من الطاغوت، ودل ذلك أن الكفر قد يكون غير الشرك.
وكذلك قوله: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}؛ معناه: من يبرأ من الطاغوت ويصدق بتوحيد الله وطاعته فقد استمسك بالعورة الوثقى، /58/ وهي العصمة عن الضلالة.
وقول إبراهيم - عليه السلام - لقومه: {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم...} يدل على أنه قد برئ منهم، وكفره بهم ليس إنكارا أنهم ليسوا من قومه، ولا جحودا بهم، ولكن كفره بهم في دينهم مفارقة لهم في دينهم، وبراءة منهم ولأعمالهم.
فدل أن من الكفر ما لا يكون شركا ولا جحودا، فصح أن من الكفر ما هو غير الشرك، وأن من كفر النعمة وركب المعاصي قد كفر.
والكفر: مأخوذ من كفرت الشيء: إذا غطيته؛ كما يقال: كافورة النخلة للقب الذي كان على الطلع، وكل كافر منافق مفارق، وقد لعن الله الظالمين ولم يلعن المؤمنين، فدل أن من ظلم فليس بمؤمن كما زعم من ذهب عنه دليل الصواب أن راكب الكبيرة مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.
مسألة: [في معنى قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}]
- وسأل، فقال: قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}، ما معناه؟
Bogga 82