فإذا شاهد هذا العبد من نفسه ومن العالم، ونظر من وجه النظر علم أنه محدث، ولابد للمحدث من محدث أحدثه، ومدبر دبره، وهو الله الواحد القهار؛ لأنه لا يتصور في وهمه أنه يكون محدثا إلا من محدث أحدثه، كما أنه لو رأى بناء علم أن له بانيا، ولو رأى كتابا علم أن له كاتبا، وأشباه هذه الأشياء، لا يرى أثرا إلا وأن له مؤثرا دل على أن له خالقا، ولا بد من اعتقاد هذا من النظر والتفكر.
- وقلت: فإن قال: وما يدله أنه مخلوق؟
قيل له: إذا رأى أنه في حال التمام والكمال، وقد كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم لحما، فقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال، فدل أنه مخلوق وأن له خالقا، وقد قال الله تعالى: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه}، وقال: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة}، وقال: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة}، وقال: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق}.
فقد دل ذلك في العقل، ودل الكتاب المنزل على أن العبد مخلوق وله خالق، وهو الله الواحد القهار.
[اختلاف الناس في المعرفة]
- وأما ما ذكرت: من اختلاف الناس في المعرفة أنها تقع اضطرارا، وقال قوم: تقع اكتسابا، وقد أوجب الله المعرفة به، فما الوجه في عدل ذلك؟ والدليل عليه؟
Bogga 4