قيل له: بل هي محجورة إلا ما أبيح لنا منها؛ لأنها مملوكة لمالك، وقد حرم الأشياء وأباح لنا مثل ذلك من الأشياء المعلومة، فإذا أباح الأشياء المعلومة وحرم أضدادها مما هو معروف في الكتاب والسنة، فمن علم ذلك عمل به، ومن لم يعلمه لم يكن له أن يرتكب ما لا يعلمه فيقع في الحرام، ويأثم ويركب بجهله ما حرمه الله.
وكذلك روي عن رسول الله ^ أنه قال: «حلال وحرام وشبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك». وقول آخر: «الحلال بين والحرام بين وبين ذلك شبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن ركب بغير علم كان كالراعي إلى جانب الحمى يوشك أن يقع فيه، ولكل ملك حمى، وحمى الله محارمه» .
فالوقوف عن الشبهات واجب، وهو على ما قيل: أحد ما تعبد الله به عباده؛ لأنه تعالى حرم أشياء، ولم ينزل في أشياء تحريما ولا تحليلا، وأباح من ذلك ما شاء ليبتلي عباده فيما شاء من ذلك.
فإن قال قائل: ما بال الناس كانوا يسلمون عند رسول الله ^ بالإقرار بالجملة، ولا يسلم الناس عندكم اليوم إلا بهذا التفسير؟
قيل له: هم يسلمون بها اليوم، وقبل اليوم وبعد اليوم، ما لم ينقضوا ذلك بحدث، وذلك أن رسول الله ^ كان هو الحجة على العباد، فمن وحد الله، وأقر بنبوة محمد ^، وأقر بما جاء به محمد ^، وعرف ذلك، خرج من الشرك وحكمه، ودخل في حكم الإسلام والإيمان، وقد أقر بجميع ما حرم الله وما أحل؛ لأن ما جاء به محمد ^ هو الحق من عند الله، وما جاء به من الله هو جميع ما حرم الله وما أحل وما افترض؛ فقد أقر بذلك أجمع، وجرى عليه حكمه ما لم ينقض ذلك /135/ بحدث، وذلك أن دعوتهم واحدة وحكمهم واحد، وإمامهم نبيهم ^.
Bogga 186