156

Jamic

جامع أبي الحسن البسيوي جديد

Noocyada

فيقال لهم: أرأيتم قول الله: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليهآ أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا} فثبت بهذا أن الإنسان قد يجوز أن يظن أنه قد يقدر على الشيء ثم لا يقدر عليه، وأن القدرة لا تكون قبل الفعل؛ لأنهم ظنوا أن قدرتهم عليها موجودة؛ فلما قال: {فجعلناها حصيدا} علموا أنهم لم يكونوا يقدرون عليها.

وكذلك قوله: {وغدوا على حرد قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون}، فظنوا في أنفسهم أنهم يقدرون على أن يصرموها مصبحين، {فأصبحت كالصريم}، /112/ فلما رأوها علموا أنهم لم يكونوا يقدرون عليها، فكل من زعم أنه يقدر على الشيء قبل أن يكون ذلك الشيء فقد أخطأ؛ لأنه قد يجوز أن يهلك ذلك الشيء فلا يقدر عليه.

ألا ترى أن رجلا لو قال: والله إني أقدر أكل هذه اللقمة، فلما رفعها إلى فيه يبست يده، وأخذ منه إنسان تلك اللقمة فأكلها كان كاذبا في قوله إذا لم يقدر عليها.

ولو أن رجلا قال لعبده : إني أقدر أن أشرب هذا الماء الذي في هذا الكوز، فإن لم أشربه فأنت حر، فانكسر الكوز وذهب الماء، كان قد كذب في قوله وعتق عبده؟! فليس لأحد أن يقول: إني أقدر على فعل كذا وكذا، إلا أن يقال: إن شاء الله.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله}؛ لأنه لا يدري لعله يموت قبل ذلك.

وكذلك قال الخضر لموسى: {إنك لن تستطيع معي صبرا} فلم يقل موسى: بلى، أقدر أن أصبر معك، ولكن قال: {ستجدني إن شاء الله صابرا}، فليس لأحد أن يقول في شيء لم يفعله بعد: إني أقدر عليه إلا أن يقول: إن شاء الله.

11- باب مسألة: في القدرة أنها عرض في الإنسان

Bogga 156