فإن احتج محتج لأبي حنيفة فقال: إن التيمم قد نزل النص فيه بالنية والطهارة بالماء معراة من هذا التعبد وفي (نسخة) التعبيد، ألا ترى إلى قول الله عز وجل: { ?فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } (¬1) ، والتيمم هو القصد في اللغة، قيل له: ليس فيما أوردت دلالة (نسخة ) على صحة مقالتك. وذلك أن الله تعالى أوجب عليه قصد التراب، وليس في أمره لقصد التراب دلالة أن التيمم يفتقر إلى النية؛ لأن الإنسان قد يقصد التراب، فإذا وجده وصار إليه يأتي بالتيمم بغير نية، ولو كان أمره جل وتعالى بقصد التراب يوجب النية في التيمم، لكان أمره بطلب الماء يوجب النية للطهارة، فإن قال: إن الأمر بطلب الماء لا يوجب النية. قيل له: أيضا أمره بقصد التراب لا يوجب النية، وبالله التوفيق.
وإذا تطهر الإنسان للنافلة جاز له أن يصلي به الفريضة، الدليل على ذلك أن المتطهر لا يوجب عليه أن يصمد بالطهارة صلاة بعينها، وإنما أمر أن يعتقد الطهارة لرفع الأحداث، فإذا اعتقد رفع الأحداث صار طاهرا لما يوقع من الصلوات، فإذا أتى بكمال الطهارة فحصوله طاهرا عند اعتقاده لرفع الأحداث، وإذا كان هذا هكذا جاز له أن يصلي بتلك الطهارة ما شاء من الصلوات إلى أن يحدث، ودليل آخر أن الإنسان لا يخلو من أن يكون طاهرا عند تطهره، أو ميقا على حدثه، ولا يجوز أن يكون طاهرا من جهة محدثا من جهة. وإذا كان هذا هكذا فحصول الطهارة برفع الأحداث، وإذا كانت الأحداث مرتفعة فالصلاة مقبولة بالطهارة التي حصلت.
فالواجب على الإنسان استصحاب النية للعبادات إذا أراد فعلها، واستصحابه لها هو أن لا ينقلها من عمل موفيه إلى غيره، وأما غروب النية من غير أن يكون هو الناقل لها ولا يقدح في الاستصحاب، ولا أعلم في ذلك (¬2) خلافا والله أعلم وبه التوفيق.
¬__________
(¬1) النساء: 43.
(¬2) في (ج) لذلك.
Bogga 183