بل لما وافق دعاؤه وغروره مع ماكان آدم عليه السلام محتاجا له مائلا إليه بطبعه الذي هو طباع البشر سوى ذلك في نفسه، واستغرقه حتى غفل عن النهي ونسيه، واحتجوا بقول الله تعالى: { ولقد عهدنا آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } ، قالوا: وذلك كالرجل يكون صائما يشتغل بضرب من الشغل حتى يغلب عليه فيستغرقه فيأكل ويشرب من غير قصد لذلك إلا أنه ساه عن الصوم، قالوا: وهذا الضرب من السهو والإغفال مرفوع عن المسلمين، وقد يجوز أن يؤاخذوا به وليس بموضوع "نسختين" بمرفوع عن الأنبياء صلوات الله عليهم؛ لأنهم حملوا ذلك لعظم أخطارهم، وارتفاع قدرهم، وعلو درجاتهم، لما شاهدوا من الآيات والبينات؛ ولأنهم القدوة والأئمة ما وضع على غيرهم، وقد قال الله جل ذكره: { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } ? (¬1) ، ثم قال: { من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ? (¬2) ، وذلك لعظم أخطارهن. ولما شاهدنه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، وقالوا: وهذا الضرب من السهو والغفلة يمكن التحفظ منه، وليس مما يخرج عن قدرة العباد، إلا أن الله وضعه بلطفه ورحمته عن المؤمنين، كما وضع سائر الصغائر عنهم، ولو أخذهم بها كان ذلك عدلا، وقال بعضهم: بل كان ذنب آدم عليه السلام من جهة الغلط في التأويل، وحين اجتهد وأخطأ، وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم، كأنه كان قيل له عليه السلام: لا تأكل من هذه الشجرة، وأريد بذلك جنس تلك الشجرة أو نخلة، كما قيل للمريض: لا تأكل من هذا اللون من الطعام يكون بين يديه يشار إليه، وإنما يراد الكل مما هو من جنس ذلك اللون، فيقال: فتأول (¬3) عليه السلام إنما نهي عن تلك الشجرة التي أشير له إليها دون ما هو مثلها من جنسها، فأكل منها وهو يرى أنه غير منهي عن ذلك.
¬__________
(¬1) الأحزاب: 32.
(¬2) الأحزاب: 30.
(¬3) غير موجودة في (ج).
Bogga 155