Jamharat Maqalat
جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور
Daabacaha
دار النفائس للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
Goobta Daabacaadda
الأردن
Noocyada
لا بأس به إلخ"، حتى يكون على غاية الحذر من الوقوع في المحرمات، بأن يكونَ متيقظًا حازمًا غير متساهل بالأمور.
ونحن نقول: إن ذلك معتبَرٌ في مفهوم التقوى، كما لا يخفى. ويؤيده أن التهاونَ بالصغائر والتساهلَ فيها يُصَيِّرانِها كبيرة، كما صرحوا به، وإليه أشار ابنُ المعتز في ثالث أبياته. ولك باعتباره هذا أن ترجع بالخلاف إلى الوفاق، والله أعلم.
ثم الواجبُ من التقوى المأمورُ به في غير ما آية صونُ العبد نفسَه عن وعيد مخالفة الخالق بفعل المستطاع من المأمورات، واجتناب المنهيات. وذلك هو مقامُ عبوديته، وهو المراد بالحق في قوله جل اسمه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢]. قال القاضي: " (أي) حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم، كقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] ". (١)
ومن البيِّن أن فعلَ المأمور به وتركَ المنهِيِّ عنه لا يكون تقوى إلا بملاحظة الأمر والنهي، وخوف الوعيد. يدل لذلك قوله ﷺ في حديث مسلم عن أبي هريرة: "التقوى ها هنا"، (٢) ويشير إلى صدره ثلاثًا، أي عمادها الذي هو الخوف في القلب. [وقد]
= في الشبهات: كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"". صحيح البخاري، "كتاب الإيمان"، الحديث ٥٢، ص ١٢؛ صحيح مسلم، "كتاب المساقاة"، الحديث ١٥٩٩، ص ٦٢٠؛ سنن الترمذي، "كتاب البيوع"، الحديث ١٢٠٥، ص ٣١٥.
(١) البيضاوي: أنوار التنزيل، ج ٢، ص ٧٢. (وما بين قوسين ليس من كلام البيضاوي، وإنما هو زيادة من المصنف).
(٢) جزء من حديث عن أبي هريرة ﵁ قال: "قال رسول الله ﷺ: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعض، وكونوا - عباد الله - إخوانا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِم، لا يَظلمه، وَلا يَخْذُلُه، ولا يَحقره. التقوى ها هنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، "بِحسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلم. كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَام: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعرْضُه"". صحيح مسلم، "كتاب البر والصلة والآداب"، الحديث ٢٥٦٤، ص ٩٩٥. وانظر كذلك سنن الترمذي، "كتابُ البرِّ والصلةِ"، الحديث ١٩٢٧، ص ٤٧٢.
1 / 208