ـ[جمع الوسائل في شرح الشمائل]ـ المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: ١٠١٤هـ) الناشر: المطبعة الشرفية - مصر، طبع على نفقة مصطفى البابي الحلبي وإخوته عدد الأجزاء: ٢ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

Bog aan la aqoon

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ وَالْأَخْلَاقَ وَالْأَرْزَاقَ وَالْأَفْعَالَ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى إِسْبَاغِ نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِالْإِفْضَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ الْمُخْتَصِّ بِحُسْنِ الشَّمَائِلِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمَوْصُوفِينَ بِالْفَوَاضِلِ وَالْفَضَائِلِ، وَعَلَى أَتْبَاعِهِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ بِالدَّلَائِلِ. (أَمَّا بَعْدُ): فَيَقُولُ أَفْقَرُ عِبَادِ اللَّهِ الْغَنِيِّ الْبَارِي عَلِيُّ بْنُ سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ الْقَارِيُّ، لَمَّا كَانَ مَوْضُوعُ عِلْمِ الْحَدِيثِ ذَاتَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَبِيٌّ، وَغَايَتُهُ الْفَوْزَ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ وَهُوَ نَعْتُ كُلِّ وَلِيٍّ، - وَمَعْرِفَةُ أَحَادِيثِهِ ﷺ أَبْرَكَ الْعُلُومِ وَأَفْضَلَهَا. وَأَكْثَرَهَا نَفْعًا فِي الدَّارَيْنِ وَأَكْمَلَهَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ ﷿ مَعَ تَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا ; لِمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِ مُجْمَلِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ، وَلِأَنَّهَا كَالرِّيَاضِ وَالْبَسَاتِينِ تَجِدُ فِيهَا كُلَّ خَيْرٍ وَبِرٍّ وَثَمَرَةٍ وَنَتِيجَةٍ بِطُرُقِهِ، وَقَدْ قِيلَ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ فَأَهْلَ الْحَدِيثِ أَهْلُ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنْشَدَ: أَهْلُ الْحَدِيثِ هُمُ أَهْلُ النَّبِيِّ وَإِنْ ... لَمْ يَصْحَبُوا نَفْسَهُ أَنْفَاسَهُ صَحِبُوا. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا صُنِّفَ فِي شَمَائِلِهِ وَأَخْلَاقِهِ ﷺ كِتَابُ التِّرْمِذِيِّ " الْمُخْتَصَرُ الْجَامِعُ " فِي سِيَرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ بِحَيْثُ إِنَّ مُطَالِعَ هَذَا الْكِتَابِ كَأَنَّهُ يُطَالِعُ طَلْعَةَ ذَلِكَ الْجَنَابِ. وَيَرَى مَحَاسِنَهُ الشَّرِيفَةَ فِي كُلِّ بَابٍ. وَقَدْ سَتَرَ قَبْلَ الْعَيْنِ أَهْدَابَهُ وَلِذَا قِيلَ. (وَالْأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ الْعَيْنِ أَحْيَانًا): وَقَدْ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَزَرِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ الْعَلِيَّ.

1 / 2

أَخِلَّايَ إِنْ شَطَّ الْحَبِيبُ وَرَبْعُهُ ... وَعَزَّ تَلَاقِيهِ وَنَاءَتْ مَنَازِلُهُ وَفَاتَكُمُ أَنْ تُبَصِرُوهُ بِعَيْنِكُمْ ... فَمَا فَاتَكُمْ بِالْعَيْنِ هَذِي شَمَائِلُهُ. وَلِلْأَدِيبِ مُحْيِي الدِّينِ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّرْكَشِيِّ مُضَمِّنًا لِعَجُزَيْ بَيْتَيْنِ مِنْ قَصِيدَةِ الْبَهَاءِ زُهَيْرٍ وَكَتَبَهَا عَلَى الشَّمَائِلِ: يَا أَشْرَفَ مُرْسَلًا كِرِيمًا ... مَا أَلْطَفَ هَذِي الشَّمَايِلْ مَنْ يَسْمَعْ وَصْفَهَا تَرَاهُ ... كَالْغُصْنِ مَعَ النَّسِيمِ مَايِلْ. وَلِبَعْضِهِمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى. يَا عَيْنُ إِنْ بَعُدَ الْحَبِيبُ وَدَارُهُ ... وَنَأَتْ مَرَابِعُهُ وَشَطَّ مَزَارُهْ فَلَقَدْ ظَفِرْتِ مِنَ الْحَبِيبِ بِطَائِلٍ ... إِنْ لَمْ تَرِيهِ فَهَذِهِ آثَارُهْ. رَزَقَنَا اللَّهُ طُلُوعَ حَضَرْتِهِ وَحُضُورَ طَلْعَتِهِ الشَّرِيفَةِ عِنْدَ رَوْضَتِهِ الْمُنِيفَةِ وَحُصُولَ صُورَتِهِ الْكَرِيمَةِ مَنَامًا وَكَشْفًا فِي الدُّنْيَا، وَوُصُولَ رُؤْيَتِهِ الْحَقِيقَةَ فِي الْعُقْبَى مُنْضَمَّةً إِلَى رُؤْيَةِ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَعْلَى وَالطَّرِيقِ الْأَغْلَى، أَحْبَبْتُ أَنْ أَدْخُلَ فِي زُمْرَةِ الْخَادِمِينَ بِشَرْحِ ذَلِكَ الْكِتَابِ وَأَنْ أَسْلُكَ فِي سِلْكِ الْمَخْدُومِينَ بِهَذَا الْبَابِ ; رَجَاءَ دَعْوَةٍ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ تُسْتَجَابُ، وَسَمَّيْتُهُ. (جَمْعُ الْوَسَائِلِ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ): فَأَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَبِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ تَمَامُ التَّحْقِيقِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَعِينًا بِذِكْرِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ، مُقَدَّمًا عَلَى كُلِّ مَقَالٍ كَمَا هُوَ دَأْبُ أَرْبَابِ الْكَمَالِ. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ): أَيْ بِاسْتِعَانَةِ اسْمِ الْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْمُبْدِعِ لِلْعَالَمِ الْمُحَقِّقِ أُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابَ إِجْمَالًا وَأُؤَلِّفُ بَيْنَ كُلِّ بَابٍ وَبَابٍ تَفْصِيلًا وَفِي تَأْخِيرِ الْمُتَعَلِّقِ إِيمَاءً لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ وَإِشْعَارٍ بِاسْتِحْقَاقِ تَقْدِيمِ ذِكْرِ اسْمِهِ الْخَاصِّ لَا سِيَّمَا وَمَا هُوَ السَّابِقُ فِي الْوُجُودِ وَالْفِكْرِ يَسْتَحِقُّ السَّبْقَ فِي الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ وَهُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَغْلَى مَقَامًا مِمَّنْ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا إِلَّا وَرَأَيْتُ اللَّهَ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وَفِي نَظَرِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ هُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ (وَاللَّهُ): اسْمُ لِذَاتِ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِالصِّفَاتِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ لَا اتِّصَافِهِ ; وَلِذَا قِيلَ إِنْ كُلَّ اسْمٍ لِلتَّخَلُّقِ إِلَّا اللَّهَ فَإِنَّهُ لِلتَّعَلُّقِ، وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَتَمِّ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ لِتَأْثِيرِهِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُ. وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ سِوَاهُ. (وَالرَّحْمَنُ): هُوَ الْمُفِيضُ لِلْوُجُودِ وَالْكَمَالِ عَلَى الْكُلِّ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ وَتَحْتَمِلُ الْقَوَابِلُ عَلَى وَجْهِ الْبِدَايَةِ. (وَالرَّحِيمُ): هُوَ الْمُفِيضُ لِلْكَمَالِ الْمَعْنَوِيِّ الْمَخْصُوصِ بِالنَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ بِحَسَبِ النِّهَايَةِ، وَفَائِدَةُ لَفْظِ الِاسْمِ بَقَاءُ هَيَاكِلِ الْخَلْقِ بِتَعَلُّقِ الرَّسْمِ إِذْ لَوْ قِيلَ بِاللَّهِ لَذَابَ تَحْتَ حَقِيقَةِ الْحَقِّ جَمِيعُ الْخَلْقِ، وَمَعَ هَذَا لَمَّا قَدَّمَ لَفْظَ اللَّهِ اضْمَحَلَّتِ الْعُقُولُ فِي ابْتِدَاءِ عَظَمَتِهِ وَتَلَاشَتِ الْأَرْوَاحُ فِي بِحَارِ أُلُوهِيَّتِهِ فَأَتْبَعَهُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِيُسَلِّيَ قُلُوبَ الْمُوَحِّدِينَ وَيَشْفِيَ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الصِّفَتَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فِي النَّشْأَتَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﵇ " رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ ". ثُمَّ لَمَّا شَاهَدَ الْمُصَنِّفُ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ وَرَأَى فِي ضِمْنِ الْوَصْفَيْنِ عُمُومَ الْإِنْعَامِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ أَرْدَفَ الْبَسْمَلَةَ بِالْحَمْدَلَةِ فَقَالَ. (الْحَمْدُ لِلَّهِ):، وَإِيثَارُهُ عَلَى الشُّكْرِ لِيَعُمَّ النِّعْمَةَ وَغَيْرَهَا، مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ غَيْرَهَا فَلَيْسَ فِي الْكَوْنِ غَيْرُ الْمُنْعِمِ وَنِعَمِهِ ; وَلِذَا وَرَدَ: الْحَمْدُ رَأْسُ الشُّكْرِ، مَا شَكَرَ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ، وَالْحَمْدَلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفَظًا وَإِنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ بَلِ الْحَقِيقِيِّ أَيْ كُلُّ حَمْدٍ صَدَرَ مِنْ كُلِّ حَامِدٍ فَهُوَ مُخْتَصٌّ وَمُسْتَحِقٌّ لَهُ تَعَالَى حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ لِغَيْرِهِ صُورَةٌ بَلِ الْمَصْدَرُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّةِ فَهُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ سِوَى اللَّهِ، وَاللَّهُ مَا فِي الْوُجُودِ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ اسْمِ الذَّاتِ دُونَ سَائِرِ الصِّفَاتِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ بِذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ

1 / 3

النَّظَرِ عَنْ صِفَاتِهِ وَمُلَاحَظَةِ نُعُوتِهِ وَبَرَكَاتِهِ فَسَوَاءٌ حُمِدَ أَوْ لَمْ يُحْمَدْ وَعُبِدَ أَوْ لَمْ يُعْبَدْ لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ بِوُجُودِ الْخَلْقِ وَعَدَمِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَحَمْدِهِمْ وَتَرْكِهِمْ وَجُهْدِهِمْ وَعَمَلِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ وَجَحْدِهِمْ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَوْجُودَاتِ إِنَّمَا هُمْ مَظَاهِرُ الصِّفَاتِ فَبَعْضُهُمْ مَرَائِي النُّعُوتِ الْجَمَالِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ مَجَالِي الْأَوْصَافِ الْجَلَالِيَّةِ، فَمَنْ عَبَدَهُ أَوْ حَمِدَهُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِأَغْرَاضِ حَقِّهِ وَتَعَلُّقَاتِهِ فَلَيْسَ بِعَابِدٍ وَحَامِدٍ بَلْ وَلَا مُؤْمِنٍ مُوَحِّدٍ. (وَسَلَامٌ): أَيُ تَسْلِيمٌ عَظِيمٌ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ أَوْ سَلَامٌ كَثِيرٌ مِنَّا أَوْ ثَنَاءٌ حَسَنٌ مِنْ جَانِبِنَا. (عَلَى عِبَادِهِ): الْمُخْتَصِّينَ بِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْقَائِمِينَ بِوَظَائِفِ الْعَبْدِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى أَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ الْوَاصِلِينَ إِلَى مَرْتَبَةِ الْعِنْدِيَّةِ لَا مِنْ عِنْدِهِمْ بَلْ بِمُوجَبِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ الِاصْطِفَائِيَّةِ. (الَّذِينَ اصْطَفَى): أَيْ هُمُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ وَارْتَضَاهُمْ وَصَفَّاهُمْ عَمَّا كَدَّرَ بِهِ سِوَاهُمْ، وَهُمُ الرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِنَ النَّاسِ وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمِيعُ أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ الْأَصْفِيَاءِ، فَدَخَلَ الْمُصْطَفَى وَآلُ الْمُرْتَضَى وَصَحْبُهُ الْمُجْتَبِي فِيهِمْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا فَلَا وَجْهَ لِمَنْ ذَكَرَ هُنَا كَلَامًا اعْتِرَاضِيًّا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إِنَّمَا أَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ اقْتِدَاءً بِهِ ﷺ أَوْ بِلُوطٍ ﵇، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمُرَادِ بِالْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى): أَوِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ خِطَابُ الْعَامِّ ; فَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، وَتَضَمُّنٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: " سُبْحَانَكَ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ". وَهَاهُنَا مَبَاحِثُ صَدَرَتْ مِنَ الشُّرَّاحِ بَعْضُهَا ضِعَافٌ وَبَعْضُهَا صِحَاحٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَتَقْرِيرِهَا وَتَوْضِيحِهَا وَتَحْرِيرِهَا ; مِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْآلَامِ الوَاقِعَةِ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ: " أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ "، وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهَدِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَنْكِيرِ السَّلَامِ عَلَى الْعِبَادِ الْمُنْبِئِ عَلَى التَّحْقِيرِ فِي مُقَابَلَةِ تَعْرِيفِ الْحَمْدِ لِلَّهِ الْكَبِيرِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى الْفَطِنِ بِالْمَرَامِ ; لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ تَحْقِيرَ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَنِهَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ، وَإِنْ أَرَادَ تَحْقِيرَ السَّلَامِ فَلَا مَعْنَى لَهُ فِي الْمَقَامِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ السَّلَامَ أَدْنَى رُتْبَةً مِنَ الْحَمْدِ فَالتَّنْكِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالْجَهْدِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ: مَنْ كَرِهَ إِفْرَادَ السَّلَامِ عَنِ الصَّلَاةِ، حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا

1 / 4

فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ، وَأَغْرَبَ مِيرَكُ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَارَ مَنْسُوخًا فِي أَوَاخِرِ زَمَانِهِ أَوْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ انْتَهَى ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ النَّسْخُ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ ﷺ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ ظُهُورُ نَسْخِهِ فِي زَمَنِ غَيْرِهِ، ثُمَّ الصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ فِي مِفْتَاحِ الْحِصْنِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ هُوَ الْأَوْلَى وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ وَهَلُمَّ جَرَّا، حَتَّى الْإِمَامِ وَلِيِّ اللَّهِ أَبِي الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ فِي قَصِيدَتِهِ الرَّائِيَةِ وَاللَّامِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ أَوْ مَنْ نَصَّ مِنْهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ السَّلَامِ ; فَلَيْسَ بِذَاكَ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمُ. انْتَهَى، مَعَ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّ إِفْرَادَ السَّلَامِ عَنِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقَ الْأَقْدَمَ، فَإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا لَمْ يَكُونُوا مُوَشِّحِينَ صُدُورَ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ بِالصَّلَاةِ ; فَإِنَّهُ أَمْرٌ حَدَثَ فِي الْوِلَايَةِ الْهَاشِمِيَّةِ إِلَّا أَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تُنْكِرْهَا وَعَمِلُوا بِهَا عَلَى مَا فِي الشِّفَاءِ، ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْإِفْرَادِ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِ نَبِيِّنَا ﷺ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) مَعَ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنَ الْمَرَاتِبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْأَذْكَارِ: إِذَا صَلَّيْتَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَلْتَجْمَعْ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا تَقْتَصِرْ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ فَلَا تَقُلْ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا ﵇ فَقَطْ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِمُ اسْتِقْلَالًا أَوْ لَا يَجُوزُ ; فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَآلِ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ جَائِزٌ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بِشَخْصٍ مُفْرَدٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ شِعَارًا وَلَا سِيَّمَا إِذَا تُرِكَ فِي حَقِّ مِثْلِهِ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَلَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ شِعَارًا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا لَهُمْ فِي السَّلَامِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; إِذْ عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ الْبَعْضِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمِ اسْتِقْلَالًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فِي ضِمْنِ الْأَنْبِيَاءِ مَذْكُورُونَ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ إِنْ أَرَادُوا الْإِطْلَاقَ. وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِعِبَادِهِ هُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْمُرْسَلِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)، أَوْ عُمُومُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) . وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ "، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ، فَقِيلَ لَعَلَّهُ تَشَهَّدَ نُطْقًا وَلَمْ يَكْتُبْهُ اخْتِصَارًا، وَقِيلَ لَعَلَّهُ تَرَكَهُ إِيمَاءً إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَوْ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَهُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْجَزَرِيِّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الشَّهَادَتَيْنِ لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ "، وَكَذَا تَصْرِيحُ الْعَسْقَلَانِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهَادَتَانِ فَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ ; إِذْ مُرَادُهُ أَنَّ التَّشَهُّدَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، وَسُمِّيَ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ تَشَهُّدًا لِتَضَمُّنِهِ إِيَّاهُمَا، لَكِنِ اتُّسِعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَمْدِ لَهُ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ شَارِحٍ بِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ بِلَا قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ ; فَهُوَ صَحِيحٌ مَنْقُولٌ لَكِنَّهُ لَمَّا تَرَكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَيُؤَوَّلُ بِأَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تُحْمَلَ الْخُطْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْخُطَبِ الْمُتَعَارِفَةِ فِي زَمَانِهِ ﷺ أَيَّامَ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ التَّصْنِيفَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الشُّرَّاحُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ اصْطَفَى فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ أَوْ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ نَصْبٍ عَلَى الْمَدْحِ، ثُمَّ جُمْلَةُ (سَلَامٌ) مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا إِجْمَالِيًّا وَإِنْشَاءً دُعَائِيًّا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِنْشَاءِ، وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ وَتَكْثُرُ الْبَرَكَةُ وَهَذَا الْكِتَابُ بِكَمَالِهِ مَخْصُوصٌ بِنُعُوتِ جَمَالِهِ

1 / 5

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.