قبس نار، ويحرق داره عليه لتجنيه عليه، فقام من حينه، وأخذ قبسًا فجعله عند باب الغلام فاشغل نارًا، واتفق أن رآه بعض الجيران فبادروا النار بالإطفاء، فلما أصبحوا مضوا إلى القاضي فأعلموا فأحضره القاضي، وقال: لأي شئ أحرقت يا هذا؟ فأنشأ يقول:
لما تمادى على بعادى ... وأضرم النار في فؤادى
ولم أجد عمن هواه يدًا ... ولا معينًا على السهاد
حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة الجواد
فطار من بعض نار قلبي ... أقل في الوصف من زناد
فأحرق الباب دون علمى ... ولم يكن ذاك عن مراد
قال: فاستطرفه القاضي، وتحمل عنه ما أفسد، وأخذ عليه ألا يعود، وخلى سبيله، أو كما قال: قال الحميدي رضى الله عنه: وكنت أظن أن هذا المعنى الذي ذكره هذا الشاعر في شعره مما تفرد به، حتى حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني بالفسطاط، قال: قال لنا القاضي أبو الحسن بن صخر، أخبرني بعض شيوخ أن أبا القاسم نصر بن أحمد الخبز أرزى، دخل على أبي الحسين بن المثنى في إثر حريق المربد فقال له: هل قلت في هذا شيئًا، فقال ما قلت شيئًا، فقال له: ويحسن بك وأنت شاعر البصرة والمربد أجل شوارعها؛ وسوق من أجل أسواقها، ولا تقول فيه شيئًا؟ فقال: ما قلت، ولكنى أقول، فارتجل هذه الأبيات وأنشأ يقول:
أتتكم شهود الهوى تشهد ... فما تستطيعون أن تجحدوا
فيامربديون ناشدتكم ... على أنني منكم مجهد
جرى نفسي صعدا نحوكم ... فمن حره احترق المربد