6
وعلى ذلك فلو صح وكانت كل حالة معينة من حالات المخ يقابلها حالة معينة من حالات الذهن، فإنه من الصحيح أيضا أن كل حالة معينة من حالات مخ معين يقابلها حالة معينة للكون المادي كله. ومن هنا فإن العوامل المتحكمة بالمثل في المخ، بوصفه جزءا من الكون يتبع ذلك أن تتحكم فيما يسمى بالحالات الذهنية التي هي مصاحبات ضرورية لحالات المخ. «إنه لمن الصحيح - كما لاحظ مستر رسل
Russell - أن التقابل بين الذهن والمخ قد لا يكون علاقة واحد بواحد، لكنه قد يكون علاقة كثير بواحد، أو واحد بكثير، إلا أن الكون لا بد أن يظل في هذه الحالة حتميا «رغم أن محتماته قد تكون أكثر تعقيدا من ذلك» بشرط أن يكون نطاق التقابل في الجانب المتعدد حتميا.»
7
وأنا هنا معني أساسا بالسلوك البشري بصفة عامة، والإرادة البشرية على وجه الخصوص، وقد لا يستثنى السلوك البشري - في بعض الأحيان - من التحديد السببي. يقول هكسلي: «إنني أعتقد أنه يمكن البرهنة على استحالة إثبات التلقائية الحقيقية لأي فعل، ذلك لأن الفعل التلقائي في الحقيقة هو فعل - حسب الافتراض نفسه - ليس له سبب. ومحاولة البرهنة على مثل هذا الجانب السلبي في مواجهة المادة هي محاولة عابثة ممتنعة
Absurd »
8
ويؤكد لنا هكسلي أن أفعالنا الإرادية محددة تحديدا سببيا في أي شيء آخر، وإن «الإرادات» تصاحب ببساطة سلسلة الأسباب، لكنها لا تتدخل فيها على الإطلاق. (2) ويدعم الجبريون وجهة نظرهم بأدلة تجريبية لا بد أن نسلم أن بعضها لا يمكن رفضه بسهولة، وما يعطي لحججهم وزنا هو أنك تجد من بينهم مفكرين ممتازين وعلماء لامعين. والحتمية الصارمة هي دائما عندهم فوق كل مظنة للشك، خصوصا فيما يتعلق بالطبيعة، وهم غالبا ما يعقدون مماثلة بين السلوك البشري والطبيعة. (3) وإذا كان يبدو في بعض الأحيان أن هناك لونا من اللاحتمية بالنسبة لحوادث معينه تقع للأذهان البشرية، لا سيما في بعض قراراتها الإرادية، فليس ذلك في رأيهم إلا مظهرا من مظاهر جهلنا بالعوامل الدقيقة المتحكمة في هذه القرارات، لكنه لا يعني قط انعدام هذه العوامل، وهناك مبرر قوي للاعتقاد بأنه ليست كل الحوادث الذهنية يمكن أن تخضع للاستبطان أو التأمل الباطني، وبالتالي فلو كانت بعض هذه الحوادث الذهنية هي السبب - كليا أو جزئيا - لظاهرة ذهنية معينة، فإن هذه الحوادث لا بد أن تكون مجهولة لنا، كما أنه لا يمكن اكتشافها عن طريق الاستبطان.
وغالبا ما يقال إن بواعثنا هي التي تتحكم في اختياراتنا، وعلى ذلك فلو أنك عرفت البواعث الموجودة في اختيار أحد الناس و«القوة» النسبية لكل باعث من البواعث، فإن الفيلسوف الجبري يعتقد أن اختيار الإنسان يرد إلى مسألة رياضية بحتة، هي حل معادلة أو مجموعة من المعادلات، فهو لا يعني سوى نقص عارض، يرجع إلى الرحلة الراهنة التي وصلت إليها معرفتنا حتى الآن. (4) والأفعال الإرادية التي نراها عند غيرنا من الناس يمكن تفسيرها، فنحن نميل عادة إلى البحث عن هذا السبب أو ذاك لتفسير سلوك الآخرين. ونحن نعتقد في إمكان التنبؤ بنوع الفعل، فإذا فشلنا فإننا نعزو مثل هذا الفشل إلى التحليل الناقص، لا إلى القول بأن السلوك البشري لا علاقة له بالتحديد السببي. وحتى أفعالنا الإرادية التي نشعر لحظة إنجازها بأننا أحرار في تحديدها، تبدو لنا - إذا فحصناها فحصا تراجعيا - حلقات ضرورية في سلسلة منطقية من الحوادث. (5) لا يعتقد أحد على الإطلاق - في تفسير عملية التاريخ، أو في محاولة تنسيق فئة معينة من الظواهر الاجتماعية - أن الظواهر الاجتماعية عبارة عن «عماء مطلق» “Absolute Chaos”
إننا قد نفسر هذه الظواهر عن طريق نظرية خاطئة، فقد نعتقد - مثلا - أن الجنس البشري محكوم - آليا - بالظروف الاقتصادية، أو محكوم - غائيا - ببلوغ مثل أعلى. وقد نكتشف غلطة في النظرية التي نأخذ بها، لكننا نعلم علم اليقين في هذه الحالة أن علينا أن نبحث عن نظرية أخرى لكي نفسر بها الوقائع، وبهذا ترانا نستبعد تماما احتمال أن تكون مثل هذه الظواهر غير قابلة للتفسير ، أو أنها لا تخضع لنسق منتظم. (6) ونحن نفترض اطراد السلوك البشري في حياتنا اليومية: «وهكذا ترانا نعتمد على الآثار الرادعة للعقوبة، أو الأثر المقنع للإعلان ... إلخ ... من ناحية أخرى فنحن على قدر معرفتنا الحقيقية بأعدائنا نظن في أنفسنا القدرة على مواجهة سلوكهم في المواقف التي لم تظهر بعد.»
Bog aan la aqoon