في فينا، وفي سنة 1955 قرأ المؤلف فصولا من النص العربي في دار إذاعة دمشق، ثم في دار إذاعة بيروت؛ وفي الجامعة الأميركية بها، وقد نشرت ثلاثة أناشيد واردة في غضون المسرحية: «غمز قيثار مغترب» في «سوء تفاهم»، «أنشودة الفلاح» في «الأديب» البيروتية سنة 1953، «أيها القيثار» فيها أيضا سنة 1957.
وإذا شاء القارئ، حين يمتحن نفس المؤلف، أن يستزيد من الوقوف على وجهته في القول فله أن يرجع إلى ما كان عرضه وأوضحه، نحو «التوطئة» التي عملها لمسرحيته الأولى: «مفرق الطريق» سنة 1938 ثم 1952، و«كلمة الشاعر» في «المقتطف» أبريل سنة 1945، و«الظلال في الأدب» في «الكاتب المصري» فبراير سنة 1948.
رجل!
في زاوية من زوايا الأرض جبل طال طول تمني الفقير وسأم الغني، جبل اشتد اشتداد شهر الصوم على المتكلفين، والناس يحذقون التكلف؛ لأن الفطرة سلامة.
جبل هب أملس ضامرا جردا، رمح ركزه رب أعياه خلق لا ينزجرون.
كان الجبل سيد أهل الزاوية، يستقبل أعينهم كل صباح فيحد من مرماها، ويعكس عليهم شعاع الشمس فيشترك في اللفح، ويصد عنهم الزعازع فيهدئ ليلهم: مصدر طمأنينة، وصاحب غلبة.
كان أهل الزاوية لا يرفعون الأبصار إلى الجبل إلا وأكفهم مفروشة فوق حواجبهم، وإن تجرأ الطرف وانفسح، فعلى سبيل اللمح: كان الجبل يمزق عزم العين، ولولا هذا الجبل الأملس الضامر الجرد ما كان أهل الزاوية على تلك الحال من الدعة والرقة ... لا بد للناس من شيء يهددهم بالسحق، من شيء متماسك مع تطاول حين تلين أنفسهم.
كان الجبل مصدر طمأنينة، وصاحب غلبة.
وكان الشغل الأكال للأذهان: على رأس الجبل بيت منقور، نقره شيء مجنح هوى من ناحية السماء، ثم زرع فيه عشبا أبيض قصير الورق، من أكل منه - وهو ند في منبته - ظفر بالحياة الأبدية ... السماء تستهوي الخلق أبدا، وتارة تغويهم، السماء جزء من الكون، والكون بهرج.
والطريق إلى ذلك البيت المنقور وعر، معضل. والتصعيد فيه خدعة من خدع الموت، ولم يقو على بلوغ البيت من أهل الزاوية سوى اثنين، وقد عاد أحدهما كسيحا من الإعياء ... هل يقدر رجل على حمل الأبدية؟ وعاد الآخر مكفوفا ... آه من الشمس تقتل من حيث تحيي؛ وهجها ينير ويعمي، أضاءت البيت المنقور أي إضاءة حتى إنها أطفأت العين.
Bog aan la aqoon