القراء في كل مكان لا بد أنهم ملوا تتبع تفاصيل الصراع الدائر الآن فوق أرض الجزائر. والسؤال التقليدي الذي أصبحت تجده على كل لسان هو: النتيجة من الذي سينتصر في هذا الصراع، وكيف؟
سؤال تحس منه أن الناس يدركون عن وعي أو لا وعي أن مرحلة الصراع الحالية مرحلة مؤقتة، وأنها لا بد ستنتهي، ولكن المشكلة هي كيف تكون النهاية وفي أي اتجاه؟ هل سيتمكن بن بيلا ومعه أعضاء المكتب السياسي من التغلب على سلسلة القوى المعارضة المتصلة والتي تتخذ لها في كل مرة اسما مختلفا، داخل جبهة التحرير وخارجها، ويستطيع هو ورفاقه أن يعيدوا لذلك التنظيم الثوري قوته وسيطرته بحيث يعود المكتب السياسي يقود الجبهة، والجبهة تقود الشعب في وحدة وطنية تواجه صعاب ما بعد الاستقلال؟
أم سيظل الوضع متأرجحا بين المعسكرين الرئيسيين المتنازعين بحيث لا تميل الكفة إلى أحدهما «وهو الوضع الذي يريده الاستعمار» وبحيث يفني الطرفان قوتهما وطاقتهما في هذه المعركة الداخلية التي لن يربح فيها سوى الأعداء؟
أم هل يفلت الزمام وتستطيع المؤامرات والمتناقضات الداخلية الرهيبة بمساعدة وإشعال وخطة بالغة الخبث من الخارج، أن تخلق في الجزائر وضعا يكون للحركة الوطنية فيه مصير زميلتها في الكونغو وجواتيمالا والعراق؟
أم تنفرد الجزائر بوضع جديد علينا تماما، مختلف في الشكل اختلافا كليا عما حدث في الكونغو أو العراق وإن كان يؤدي نفس الغاية؟
احتمالات كثيرة كما نرى، ولكنها في النهاية لا تخرج عن احتمالين؛ مع الثورة أو ضدها.
لقد دخلت الجزائر حرب التحرير وخاضتها وخرجت منها، لا بالاستقلال والنصر فقط، ولكن بما هو أهم من الاستقلال والانتصار، بشعب ثائر منظم مسلح يقوده تنظيم ثوري بالغ القوة والنفوذ. ثورة مثالية بكل معنى الكلمة. ولو كان الأمر قد استمر على هذا الوضع لمضى الشعب الجزائري إلى مستقبله وأهدافه الاجتماعية والسياسية بعد الاستقلال بقوة ليس لها من نظير، ولتحققت جميع أهدافه بأسرع مما حدث في أي بلد آخر وفي أي فترة أخرى من فترات التاريخ. إن الشعب حين تتضافر العوامل والظروف لتجعله يثور ويجد في هذه اللحظات بالذات، القيادة الثورية المخلصة التي تستطيع تنظيمه وتملك القدرة على أن تظل طليعته الواعية، شعب كهذا باستطاعته أن يحقق المعجزات. وأقول المعجزات لا كنوع من المبالغة الأسلوبية ولكني أقولها وأعنيها.
ولم نصدق القوى المضادة للثورة:
والقوى المضادة للثورة، الاستعمار لم يكن يصدق هذا. صورها لنفسه أول الأمر عصابة خارجة على القانون وحاربها حرب الخارجين على القانون ففشل. حينئذ اعتقد أنها من صنع البلاد العربية التي تعادي فرنسا وأن تلك البلاد هي التي تثيرها وتهيج الجزائريين وتمول «الفلاجة» وحاربها على هذا الأساس بالدعاية المركزة في الداخل والإخصائيين السيكلوجيين، وفي النهاية حاربها جهرا في بورسعيد وفي المدن والقرى الجزائرية ففشل أيضا، فشلا ذريعا.
ثم صورها لنفسه على أنها عصابات سرية مسلحة وأنها هي التي تثور ضده وليس الشعب الجزائري ككل. وعلى هذا الأساس أعاد خططه وتكتيكاته وركز كل قوته الحربية والسياسية لعزل جيش التحرير عن الشعب، معتقدا أنه إذا سحق الجيش انتهت الثورة واستراح، بل بلغ في هذه الحرب أن غير من تكوين الجيش الفرنسي المنظم وأحاله وحدات صغيرة كوحدات حرب العصابات وأرسلها إلى الجبل كي تحارب وحدات جيش التحرير بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب، وأيضا فشل.
Bog aan la aqoon