قال الفارس بعدما نظر طويلا وبثبات لمضيفه: «أيها الناسك الموقر، إن لم يكن في الأمر مقاطعة لتأملاتك الورعة، أرجو معرفة ثلاثة أشياء من قداستك؛ أولا: أين أضع جوادي؟ وثانيا: ما الذي يمكنني أن أحصل عليه كعشاء؟ وثالثا: أين سأنام ليلتي؟»
قال الناسك: «سأرد عليك بإصبعي؛ فمما يخالف قواعدي أن أتحدث بالكلام عندما يمكن للإشارات أن تفي بالغرض.» قال ذلك وأشار تباعا إلى ركنين في الكوخ، ثم قال: «إسطبلك هنا، وسريرك هناك.» وأنزل من رف مجاور طبقا كبيرا به حفنتان من البازلاء الجافة ووضعه على الطاولة، ثم أضاف قائلا: «وها هو عشاؤك.»
هز الفارس كتفيه، وغادر الكوخ، ثم عاد بجواده، ونزع عنه سرجه بعناية شديدة، وغطى ظهر جواده المرهق بعباءته.
غمغم الناسك بشيء عن علف ترك لحصان الحارس، وسحب من فجوة حزمة من العلف، ونثرها أمام جواد الفارس، وبعد ذلك على الفور فرش بعض السرخس المجفف في الركن الذي كان قد عينه مضجعا للمسافر. شكره الفارس على لطفه، وبعد أداء هذه المهمة رجع كل منهما إلى كرسيه بجوار المائدة، حيث كانت الصينية التي فيها البازلاء موضوعة بينهما. وبعد أن تلا الناسك صلاة شكر طويلة، كانت يوما ما باللغة اللاتينية، ولكن لم يبق من لغتها الأصلية سوى بضعة آثار، عدا النهاية الرنانة الطويلة لكلمة أو عبارة تقال بين الحين والآخر، ضرب مثلا لضيفه بأن وضع بتواضع في فمه الضخم، الممتلئ بأسنان تشبه أسنان خنزير بري في حدتها وبياضها، ثلاث أو أربع حبات من البازلاء الجافة.
الفصل الثالث عشر
وضع الفارس جانبا خوذته والجزء الأكبر من درعه، وكشف للناسك عن رأس ذي شعر أصفر شديد التموج، وقسمات نبيلة، وعينين زرقاوين لامعتين ووامضتين على نحو لافت، وفم حسن التكوين يكسو شفته العليا شارب أشد دكنة من شعره.
أرجع الناسك قلنسوته للوراء، كما لو كان يريد أن يرد على ثقة ضيفه، وكشف عن رأس مستدير صغير لرجل في ريعان شبابه. ولم يكن في ملامحه شيء من تقشف الرهبان، بل على العكس، كانت ملامح وجهه الممتلئ تشي بالجرأة، بحاجبين أسودين عريضين، وجبهة بهية، ووجنتين مستديرتين وقرمزيتين، كوجنتي عازف بوق، وتتدلى منهما لحية سوداء طويلة ومجعدة.
بعدما أتم الضيف بعناء شديد مضغ ملء فمه من البازلاء المجففة، وجد أنه من الضروري للغاية أن يطلب من مضيفه التقي أن يمده ببعض الشراب، فاستجاب لطلبه بأن وضع أمامه قدحا كبيرا من أنقى المياه من الينبوع.
وقال: «إنها من بئر القديس دونستان، الذي عمد فيه، بين مطلع شمس ومطلعها التالي، خمسمائة من البريطانيين والدنماركيين الوثنيين. فليتبارك اسمه!»
قال الفارس: «يبدو لي أيها الأب المبجل أن تناولك للقيمات قليلة مع الشراب المقدس الخفيف نوعا ما، قد أكسبك صحة على نحو مدهش؛ إذ تبدو كرجل يلائمه أكثر أن يفوز بكبش في مباراة للمصارعة من أن يمضي وقته في هذه البرية المهجورة مرددا للصلوات ومقتاتا على البازلاء الجافة والماء البارد.»
Bog aan la aqoon