تابع، وهو يمسك بأهداب ثوبها، قائلا: «أنا لا أتعامل مع هؤلاء، أنت فقط من أخاطبها. وما الذي يمكن أن يجعلك توازنين في اختيارك؟ فكري، إن كنت شريرا فالموت أشد شرا، والموت هو خصمي.»
قالت ريبيكا: «أنا لا أوازن بين هذه الشرور . كن رجلا، كن مسيحيا! إن كان إيمانكم يوصيكم حقا بتلك الرحمة التي تتظاهر بها ألسنتكم أكثر مما تظهر في فعالكم، فلتنقذني من هذا الموت المروع دون أن تسعى إلى تعويض من شأنه أن يحول شهامتك إلى مقايضة وضيعة.»
نهض فارس الهيكل المتعالي واقفا على قدميه، وقال: «كلا يا فتاة! لن تفرضي شيئا علي هكذا. إن تخليت عن الشهرة الحالية والطموح المستقبلي، فإنني أتخلى عنهما من أجلك، وسنهرب معا.» ثم قال وهو يلطف نبرة صوته من جديد: «اسمعيني يا ريبيكا، إن إنجلترا وأوروبا ليستا هما العالم؛ فثمة آفاق أخرى يمكننا العمل فيها، وتتسع بما يكفي لطموحي. سنذهب إلى فسلطين حيث يعيش كونراد، ماركيز أوف مونتسيرات، صديقي؛ فهو صديق متحرر مثلي من الشكوك الملحة التي تقيد منطقنا الحر الذي ولدنا عليه. سنتحالف حتى مع صلاح الدين؛ أفضل لنا من أن نكابد ازدراء المتعصبين الذين نحتقرهم. ستكونين ملكة يا ريبيكا؛ فعلى جبل الكرمل سننصب العرش الذي سأظفر لك به ببسالتي، وسأمسك بالصولجان بدلا من العصا التي لطالما رغبت فيها.»
قالت ريبيكا: «إنه حلم، بل أضغاث أحلام. وحتى لو كانت حقيقة واقعة فلن يكون لها أثر في نفسي. كفى، فذلك السلطان الذي قد تحظى به لن أشاركك فيه أبدا. لا تضع سعرا لإنقاذي يا سيدي الفارس. لا تبع فعلا من أفعال الشهامة. احم المظلوم من أجل الإحسان، لا من أجل منفعة أنانية. اذهب إلى بلاط عرش إنجلترا، وسيستمع ريتشارد إلى استغاثتي من هؤلاء الرجال القساة.»
قال فارس الهيكل بعنف: «لن يحدث أبدا يا ريبيكا! إن تخليت عن طائفتي فسيكون ذلك من أجلك أنت وحدك. وسيظل لدي طموح إن رفضت حبي. لن أخدع من جميع النواحي. أأحني رأسي لريتشارد؟ أأطلب عطية من ذلك الرجل ذي القلب المتعالي؟ أبدا يا ريبيكا، لن أضع طائفة الهيكل، ممثلة في، عند قدميه. قد أهجر الطائفة، ولكني لن أقلل من شأنها أو أخونها أبدا.»
قالت ريبيكا: «إذن، فليكن الرب رحيما بي، ما دام عون الإنسان يكاد يكون ميئوسا منه !»
قال فارس الهيكل: «إنه كذلك بالفعل؛ لأنه كما أنك متكبرة فقد وجدت نظيرا لك هو أنا. إذا دخلت الحلبة شاهرا رمحي فلا تظني أن أي اعتبار إنساني سيحول بيني وبين بذل قوتي، ثم فكري في مصيرك؛ أن تموتي الميتة البشعة التي يموتها أعتى المجرمين، أن تحترقي فوق كومة حطب مشتعلة، ولا يبقى من ذلك الجسد الرشيق أثر، يمكننا منه أن نقول إنه عاش وتحرك! يا ريبيكا، ليس من طبيعة المرأة أن تتحمل هذا المشهد. ستذعنين لطلبي.»
ردت اليهودية: «إنك يا بوا جيلبرت لا تعرف قلب المرأة، أو لم يسبق لك أن تحدثت إلا مع أولئك اللواتي فقدن أسمى مشاعرهن. أقول لك يا فارس الهيكل المتكبر: إنك لم تظهر من شجاعتك الصلفة في أشد معاركك ضراوة أكثر مما تظهره المرأة عندما تعاني بسبب عاطفتها أو واجبها. أنا نفسي امرأة، نشأت على أن أكون لينة الجانب، وأخاف بطبيعتي من الخطر ولا أتحمل الألم، ولكن عندما ندخل تلك الحلبات المميتة، أنت لتحارب وأنا لأعاني الألم، أشعر بثقة تامة في داخلي أن شجاعتي تفوق شجاعتك بكثير. وداعا. لن أضيع مزيدا من الكلمات معك؛ فالوقت المتبقي على الأرض لابنة يعقوب يجب أن يقضى في غير ذلك؛ إذ لا بد لها أن تنشد المعزي الذي يصغي دوما لأنات أولئك الذين ينشدونه بإخلاص وصدق.»
قال فارس الهيكل بعد صمت قصير: «أسنفترق إذن هكذا؟ ليت السماء لم تجعلنا نلتقي قط، أو ليتك كنت نبيلة المولد ومسيحية الديانة! كلا، بحق السماء! عندما أنظر إليك، وأفكر أين وكيف نلتقي مرة أخرى، يصل بي الأمر إلى حد أن أتمنى لو كنت واحدا من بني قومك المحتقرين، وأن تتعامل يدي بالسبائك الذهبية والشيكلات وليس بالرمح والدرع، وأن ينحني رأسي أمام كل نبيل تافه، وألا ترعب نظرتي إلا المدين المرتجف والمفلس.»
قالت ريبيكا: «لقد تحدثت عن اليهودي بالصورة التي جعله عليها اضطهاد أمثالك. فلتقرأ التاريخ القديم لشعب الرب، وأخبرني عما إذا كان أولئك، الذين صنع يهوه مثل تلك المعجزات بأيديهم بين الأمم، كانوا آنذاك شعبا من البخلاء والمرابين! وداعا! إني لا أحسدك على أمجادك التي فزت بها بالدماء، ولا أحسدك على نسلك الهمجي الذي ينحدر من الوثنيين الشماليين، ولا أحسدك على إيمانك الذي هو دائما في فمك، ولكن لا أثر له أبدا في قلبك ولا في فعلك.»
Bog aan la aqoon