مِن الحَقِّ) قال: بلى، أفما سمعته تعالى ذكره يحذر من فعل قوم اغتروا بحمله، وأنسوا إلى كرمه فقال: (ولا يكُونُوا كالذِين أوتُوا الكِتابِ مِن قبل فَطال عليهم الأمد فَقَسَت قُلوبُهم وكثير مِنهُم فاسِقُون) . قال: بلى، قال: فما بالك لا تخشع عند قوله، ولا ترجع عند تحذيره، وما نزل من كتابه، إني رأيتك مغرقًا في الضحك إلى هذا الذي يقرأ عليك، كأنك لا تسأل عن ضحكك، ولا توقف على فعلك. وبالله الذي لا يحلف المؤمنون بمثله، لئن أخذك على ريب يكرهه ليجعلنك عبرةً للعاقل، ومثلةً للجاهل فنكس الرجل رأسه، وأقبل يبكي فقام وتركه.
عن أبي زهرة الرعيني، أنه نظر إلى رجل يضاحك غلامًا في مجلس عبد الله بن وهب المصري، فألقى كتابه وقصده، وقال: يا أخي، أما لو علمت من أسخطت، ولعقوبة من تعرضت بفعلك هذا لغلت يدك إلى عنقك. كم من ملكٍ كريم قد شهد عليك بما فعلت، وغظته بما صنعت، أتتمرد على من خلقك، وخلق الخلق، وبسط عليك وعليهم الرزق، أما إنه لا يحتاج مع نظره إليك إلى شاهد عليك، فإن أنكرت شيئًا مما حفظه وجحدت فعلًا قد علمه، قال ليديك: انطقى ولرجليك تكلمي، ولعينيك اشهدي فليت شعري ما تكون حجتك عليه وقد نطقت أعضاؤك، وشهدت عيناك نطقت يداك، وتكلمت رجلاك؟، الم تسمع إلى قوله ﷿: (يوم تَشهدُ عَلِيهم ألسِنتُهم ... الآية) أقام والله عليك خصمًا منك وشهودًا عليك، فأين الاعتذار وقد تقدم الإقرار وخرست فلم تجد سبيلًا إلى الإنكار، فبكى الرجل حتى أبكى أبا زهرة ومن حضره.
1 / 57