بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله سُبْحَانَهُ على نعمه السابغة الشاملة وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة بالنجاة من الْأَهْوَال كَافَّة وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ذُو الْأَوْصَاف الجميلة الْكَامِلَة ﷺ وعَلى آله وصحبة وَمن ناصره وفالله
وَبعد فَلَمَّا ظهر لي تصويب الملحين عَليّ فِي وضع شرح على الكراسة الَّتِي سميتها بالنقابة وضمنتها خُلَاصَة أَرْبَعَة عشر علما وراعيت فِيهَا غَايَة الإيجاز والاختصار وأودعت فِي طي ألفاظها مَا نشره النَّاس فِي الْكتب الْكِبَار بِحَيْثُ لَا يحْتَاج الطَّالِب مَعهَا إِلَى غَيرهَا وَلَا يحرم الفطن المتأمل لدقائقها من خَيرهَا بادرت إِلَى ذَلِك قصدا لعُمُوم العائدة وَتَمام الْفَائِدَة وإبرازا لما أَنا باستخراجه أَحْرَى إِذْ صَاحب الْبَيْت بِمَا فِيهِ أدرى وسميته إتْمَام الدارية لقراء النقاية وَالله تَعَالَى أسأَل التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة والاعانة وَالرِّعَايَة قنت
1 / 3
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أَي ابتدىء الْحَمد أَي الثَّنَاء بالجميل ثَابت لله ﷿ وَالشُّكْر لَهُ ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير نَبِي أرْسلهُ هَذِه نقاية بِضَم النُّون أَي خُلَاصَة مختارة من عدَّة عُلُوم هِيَ أَرْبَعَة عشر علما يحْتَاج الطَّالِب إِلَيْهَا ويتوقف كل علم ديني عَلَيْهَا إِذْ مِنْهَا مَا هُوَ فرض عين وَهُوَ أصُول الدّين والتصوف وَمِنْهَا مَا هُوَ فرض كِفَايَة إِمَّا لذاته وَهُوَ التَّفْسِير والْحَدِيث والفرائض أَو لتوقف غَيره عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُصُول والنحو وَمَا بعدهمَا وَمِنْه الطِّبّ الَّذِي يعرف بِهِ حفظ الصِّحَّة الْمَطْلُوبَة للْقِيَام بالعبادات كالقيام بالمعاش بل أهم وَالله أسأَل أَن ينفع بهَا ويوصل أَسبَاب الْخَيْر بِسَبَبِهَا
أصُول الدّين
بدأت بِهِ لانه أشرف الْعُلُوم مُطلقًا لِأَنَّهُ يبْحَث عَمَّا يتَوَقَّف صِحَة الايمان عَلَيْهِ وتتماته وَلست أَعنِي بِهِ علم الْكَلَام وَهُوَ مَا ينصب فِيهِ الادلة الْعَقْلِيَّة وتنقل فِيهِ أَقْوَال الفلاسفة فَذَاك حرَام بِإِجْمَاع السّلف نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وَمن كَلَامه فِيهِ لِأَن يلقى الله العَبْد بِكُل ذَنْب مَا خلا الشّرك خير لَهُ من أَن يلقاه بِشَيْء من علم الْكَلَام
ثمَّ ثنيت بالتفسير لِأَنَّهُ أشرف الْعُلُوم الثَّلَاثَة الشَّرْعِيَّة لتَعَلُّقه بِكَلَام الله تَعَالَى ثمَّ بِعلم الحَدِيث لِأَنَّهُ يَلِيهِ فِي الْفَضِيلَة ثمَّ بأصول الْفِقْه لِأَنَّهُ أشرف من الْفِقْه إِذْ الاصل أشرف من الْفَرْع ثمَّ بالفرائض الَّذِي هُوَ من أَبْوَاب الْفِقْه وَهُوَ بعد الاصول فِي الرُّتْبَة قَالَ بَعضهم إِذا اجْتمع عِنْد الشَّيْخ دروس قدم الْأَشْرَف
1 / 4
فالاشراف ثمَّ رتبها كَمَا ذكرنَا وَثمّ بدأت من الْآلَات بالنحو والتصريف لتوقف علم البلاغة عَلَيْهِمَا وقدمت النَّحْو على التصريف وَإِن كَانَ اللَّائِق بِالْوَضْعِ الْعَكْس إِذْ معرفَة الذوات أقدم من معرفَة الطواريء والعوارض لِأَن الْحَاجة إِلَيْهِ أهم ثمَّ لما كَانَ الْقَلَم أحد اللسانين وَكَانَ اللَّفْظ يبْحَث عَنهُ من جِهَة النُّطْق بِهِ وَمن جِهَة رسمه عقبت النَّحْو والتصريف المبحوث فيهمَا عَن كَيْفيَّة النُّطْق بِهِ بِعلم الْخط المبحوث فِيهِ عَن كَيْفيَّة رسمه ثمَّ بدأت من عُلُوم البلاغة بالمعاني لتوقف الْبَيَان عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَاعى بعد مُرَاعَاة الأول وأخرت البديع عَنْهُمَا لِأَنَّهُ تَابع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا
وَلما كَانَت هَذِه الْعُلُوم لمعالجة اللِّسَان الَّذِي هُوَ عُضْو من الانسان ناسب أَن نعقب بالطب الَّذِي هُوَ إصْلَاح الْبدن كُله وقدمت التشريح على الطِّبّ لانه مِنْهُ كنسبة التصريف من النَّحْو وَقد تقدم أَن اللَّائِق بِالْوَضْعِ تقديمة لانه يبْحَث عَن ذَات الْبدن وتركيبها والطب عَن الامور الْعَارِضَة لَهَا
وَلما كَانَ الطِّبّ لمعالجة الامراض الظَّاهِرَة الدُّنْيَوِيَّة عقب بالتصوف الَّذِي يعالج بِهِ الامراض الباطنية الاخروية
إِذا علمت ذَلِك فَخذ أصُول الدّين علم يبْحَث فِيهِ عَمَّا يجب اعْتِقَاده وَهُوَ قِسْمَانِ قسم يقْدَح الْجَهْل بِهِ فِي الْإِيمَان كمعرفة الله تَعَالَى وَصِفَاته الثبوتية والسلبية والرسالة والنبوة وَأُمُور الْمعَاد وَقسم لَا يضر كتفضيل الْأَنْبِيَاء على الْمَلَائِكَة فقد ذكر السُّبْكِيّ فِي تأليف لَهُ أَنه لَو مكث الانسان فِي مُدَّة عمره وَلم يخْطر بِبَالِهِ تَفْضِيل النَّبِي على الْملك لم يسْأَله الله تَعَالَى عَنهُ
الْعَالم هُوَ مَا سوى الله تَعَالَى حَادث بِمَعْنى مُحدث أَي موجد عَن الْعَدَم لِأَنَّهُ متغير أَي يعرض لَهُ التَّغْيِير كَمَا نشاهده وكل متغير حَادث لِأَنَّهُ وجد بعد أَن لم يكن وصانعه الله الْوَاحِد أَي الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته قديم أَي لَا ابْتِدَاء لوُجُوده وَلَا انْتِهَاء اذ لَو كَانَ حَادِثا لاحتاج إِلَى مُحدث تَعَالَى عَن ذَلِك
1 / 5
وقديم إِمَّا خبر أول وَمَا قبله تَابع وَخبر ثَان وَمَا قبله أول أَو خبر لمَحْذُوف وَمَا بعده خبر آخر أَو عطف بَيَان أوصفه كاشفة واطلاق الصَّانِع على الله تَعَالَى شَائِع عِنْد الْمُتَكَلِّمين
وَاعْترض بِأَنَّهُ لم يرد وَأَسْمَاء الله تَعَالَى توقيفية وَأجِيب بِأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى صنع الله وَقِرَاءَة صنع الله بِلَفْظ الْمَاضِي وَهُوَ مُتَوَقف على الِاكْتِفَاء فِي الاطلاق بورود الْمصدر وَالْفِعْل وَأَقُول بل ورد إِطْلَاقه عَلَيْهِ تَعَالَى فِي حَدِيث صَحِيح لم يستحضره من اعْتِرَاض وَلَا من أجَاب بذلك وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا إِن الله صانع كل صانع وصنعته
ذَاته مُخَالفَة لسَائِر الذوات جلّ وَعلا وَعدلت عَن قَول ابْن السُّبْكِيّ فِي جمع الْجَوَامِع حَقِيقَته مُخَالفَة لسَائِر الْحَقَائِق لِأَن ابْن الزملكاني قَالَ يمْتَنع إِطْلَاق لفظ الْحَقِيقَة على الله تَعَالَى قَالَ ابْن جمَاعَة لِأَنَّهُ لم يرد وَقد ورد صِفَات الله تَعَالَى إِطْلَاق الذَّات عَلَيْهِ تَعَالَى
صِفَات الله تَعَالَى
فَفِي البُخَارِيّ فِي قصَّة خبيب من قَوْله ﵁ تَعَالَى عَنهُ وَذَلِكَ فِي ذَات الاله وَصِفَاته الْحَيَاة وَهِي صفة تَقْتَضِي صِحَة الْعلم لموصوفها والإرادة وَهِي صفة تخصص أحد طرفِي الشَّيْء من الْفِعْل وَالتّرْك بالوقوع وَالْعلم وَهِي صفة ينْكَشف بهَا الشَّيْء عِنْد تعلقهَا بِهِ وَالْقُدْرَة وَهِي صفة تُؤثر فِي الشَّيْء عِنْد تعلقهَا بِهِ والسمع وَالْبَصَر وهما صفتان يزِيد الانكشاف بهاما على الانكشاف بِالْعلمِ وَالْكَلَام الْقَائِم بِذَاتِهِ تَعَالَى الْمعبر عَنهُ بِالْقُرْآنِ الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف بأشكال الْكِتَابَة وصور الْحُرُوف الدَّالَّة عَلَيْهِ الْمَحْفُوظ فِي الصُّدُور بِأَلْفَاظ المتخلية المقروء بالالسنة بِحُرُوفِهِ الملفوظة المسموعة قديمَة كلهَا خبر لصفاته ﷿
منزه تَعَالَى عَن التجسيم واللون والطعم وَالْعرض والحلول أَي عَن أَن يحل فِي شَيْء لِأَن هَذِه حَادِثَة وَهُوَ تَعَالَى منزه عَن الْحُدُوث والجسم مَا يقوم بِنَفسِهِ
1 / 6
وَالْعرض مَا يقوم بِغَيْرِهِ وَمِنْه اللَّوْن والطعم فعطفه عَلَيْهِمَا عطف عَام على خَاص فَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز ﴿لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير﴾ وَمَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة من الْمُشكل من الصِّفَات نؤمن بظاهرة وننزه عَن حَقِيقَته كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ ﴿وَيبقى وَجه رَبك﴾ ﴿ولتصنع على عَيْني﴾ ﴿يَد الله فَوق أَيْديهم﴾ وَقَوله ﷺ إِن قُلُوب بنى آدم كلهَا كلهَا بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ كَيفَ يَشَاء رَوَاهُ مُسلم ثمَّ نفوض مَعْنَاهُ المُرَاد إِلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ مَذْهَب السّلف وَهُوَ أسلم أَو تؤول كَمَا هُوَ مَذْهَب الْخلف فنؤول فِي الْآيَات الاسْتوَاء وبالاستيلاء وَالْوَجْه بِالذَّاتِ وَالْعين باللطف وَالْيَد بِالْقُدْرَةِ وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ أَن قُلُوب الْعباد كلهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قدرته تَعَالَى شَيْء يسير يصرفهُ كَيفَ يَشَاء كَمَا يقلب الْوَاحِد من عباده الْيَسِير بَين اصبعين من أَصَابِعه
وَالْقدر وَهُوَ مَا يَقع من العَبْد الْمُقدر فِي الْأَزَل خَيره وشره كَائِن مِنْهُ تَعَالَى بخلقه وإرادته مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَا يَشَاء فَلَا يكون يغْفر الشّرك الْمُتَّصِل بِالْمَوْتِ بل غَيره أَن شَاءَ قَالَ تَعَالَى ﴿إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء﴾ لَا يجب عَلَيْهِ تَعَالَى شَيْء لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَالق الْخلق فَكيف يجب لَهُم عَلَيْهِ شَيْء أرسل تَعَالَى رسله مؤيدين مِنْهُ بالمعجزات الباهرات أَي الظاهرات وَختم بهم مُحَمَّد ﷺ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين﴾ وَفِي الْعبارَة من أَنْوَاع البلاغة قلب لطيف وَالْأَصْل وختمهم بِمُحَمد والنكتة الْإِشَارَة إِلَى أَنه الأول فِي الْحَقِيقَة وَفِي بعض أَحَادِيث الْإِسْرَاء وجعلتك أول النبين خلقا وَآخرهمْ بعثا رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
والمعجزة الْمُؤَيد بهَا الرُّسُل أَمر خارق للْعَادَة بِأَن تظهر على خلَافهَا
1 / 7
كإحياء ميت وإعدام جبل وانفجار المَاء من بَين الْأَصَابِع على فَوق التحدي أَي الدَّعْوَى للرسالة فَخرج غير الخارق كطلوع الشَّمْس كل يَوْم الخارق من غير تحد وَهُوَ كَرَامَة الْوَلِيّ والخارق على خلَافَة بِأَن يَدعِي نطق طِفْل بتصديقه فينطق بتكذيبه
وَيكون كَرَامَة للْوَلِيّ وَهُوَ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى حسب مَا يُمكن المواظب على الطَّاعَات المجتنب للمعاصي المعرض عَن الانهماك فِي اللَّذَّات والشهوات كجريان النّيل بِكِتَاب عمر ﵁ ورؤيته وَهُوَ على الْمِنْبَر بِالْمَدِينَةِ جَيْشه بنهاوند حَتَّى قَالَ لامير الْجَيْش يَا سَارِيَة الْجَبَل الْجَبَل محذرا لَهُ من وَرَاء الْجَبَل لكمن الْعُدُول هُنَاكَ وَسمع سَارِيَة كَلَامه مَعَ بعد الْمسَافَة وَغير ذَلِك مِمَّا وَقع للصحابة وَغَيرهم إِلَّا نَحْو ولد دون وَالِد وقلب جماد بَهِيمَة فَلَا يكون كَرَامَة لوَلِيّ وَهَذَا توَسط للقشيري قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي منع الْمَوَانِع وَهُوَ حق خصص قَول غَيره مَا جَازَ أَن يكون معْجزَة لنَبِيّ جَازَ أَن يكون كَرَامَة لوَلِيّ لَا فَارق بَينهمَا الا التحدي
عَذَاب الْقَبْر
ونعتقد أَن عَذَاب الْقَبْر للْكَافِرِ وَالْفَاسِق المُرَاد تعذيبه بِأَن ترد الرّوح إِلَى الْجَسَد أَو مَا بَقِي مِنْهُ الْحق قَالَ ﷺ عَذَاب الْقَبْر حق ومرعلى قبرين فَقَالَ إنَّهُمَا ليعذبان رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
وسؤال الْملكَيْنِ مُنكر وَنَكِير للمقبور حق قَالَ ﷺ إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه أَتَاهُ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا النَّبِي مُحَمَّد فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول أشهد أَنه عبد الله وَرَسُوله وَأما الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيَقُول لَا أَدْرِي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك وَمَا دينك وَمَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول الْمُؤمن رَبِّي الله وديني الاسلام وَالرجل الْمَبْعُوث رَسُول الله ﷺ وَيَقُول الْكَافِر فِي الثَّلَاث لَا أَدْرِي وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي
1 / 8
يُقَال لأَحَدهمَا الْمُنكر وَالْآخر النكير وَذكر ابْن يُونُس من أَصْحَابنَا أَن ملكي الْمُؤمن مُبشر وَبشير
الْحَشْر
وَإِن الْحَشْر لِلْخلقِ أجمع بِأَن يحيهم الله تَعَالَى بعد فنائهم ويجمعهم للعرض والحساب
والمعاد أَي عود الْجِسْم بعد الاعدام بأجزائه وعوارضه كَمَا كَانَ حق قَالَ الله تَعَالَى ﴿وحشرناهم فَلم نغادر مِنْهُم أحدا﴾ ﴿وَإِذا الوحوش حشرت﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ﴾ ﴿كَمَا بدأنا أول خلق نعيده﴾
وَإِن الْحَوْض حق قَالَ الْقُرْطُبِيّ وهما حوضان الأول قبل الصِّرَاط وَقبل الْمِيزَان على الْأَصَح فَإِن النَّاس يخرجُون عطاشا من قُبُورهم فيردونه قبل الْمِيزَان والصراط وَالثَّانِي فِي الْجنَّة وَكِلَاهُمَا يُسمى كوثرا
روى مُسلم عَن أنس قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله ﷺ ذَات يَوْم بَين أظهرنَا إِذا أغفى إغْفَاءَة ثمَّ رفع رَأسه مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أضْحكك يَا رَسُول الله قَالَ أنزلت عَليّ آنِفا سُورَة فَقَرَأَ ﴿إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر﴾ ثمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر قُلْنَا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِنَّهُ نهر وعدنيه رَبِّي عَلَيْهِ خير كثير وَهُوَ حَوْض ترد عَلَيْهِ أمتِي يَوْم الْقِيَامَة آنيته عدد نُجُوم السَّمَاء يختلج العَبْد مِنْهُم فَأَقُول يَا رب إِنَّه من أمتِي فَيُقَال مَا تَدْرِي مَا أحدث بعْدك
وَفِي الصَّحِيح حَوْضِي مسيرَة شهر مَاؤُهُ أَبيض من الْوَرق وريحه أَبيض من الْمسك وكيزانه كنجوم السَّمَاء من شرب مِنْهُ لم يظمأ بعده أبدا وَفِي رِوَايَة لمُسلم يشخب فِيهِ مِيزَابَانِ من الْجنَّة وَفِي لفظ لغيره يغث فِيهِ مِيزَابَانِ من الْكَوْثَر وروى ابْن ماجة حَدِيث الْكَوْثَر نهر فِي الْجنَّة حافتاه الذَّهَب مجْرَاه على الدّرّ والياقوت ترتبته أطيب من الْمسك وَأَشد بَيَاضًا من الثَّلج
1 / 9
الصِّرَاط
وَإِن الصِّرَاط وَهُوَ كَمَا فِي حَدِيث مُسلم جسر مَمْدُود على ظهر جَهَنَّم أدق من الشّعْر وَأحد من السَّيْف حق فَفِي الصَّحِيح يضْرب الصِّرَاط بَين ظَهْري جَهَنَّم ويمر الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ فأولهم كالبرق ثمَّ كمر الرّيح ثمَّ كمر الطير وَأَشد الرِّجَال حَتَّى يَجِيء الرجل وَلَا يَسْتَطِيع يسير إِلَّا زحفا وَفِي حافيته كلاليب معلقَة مأمورة بِأخذ من أمرت بأخده فمخدوش نَاجٍ ومكدوس فِي النَّار
الْمِيزَان
وَإِن الْمِيزَان حق وَله لِسَان وكفتان تعرف بِهِ مقادير الاعمال بِأَن توزن صحفها بِهِ قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة﴾ الْآيَة وروى التِّرْمِذِيّ وَحسنه حَدِيث يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُؤُوس الْخَلَائق وينشر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلا كل سجل مثل مد الْبَصَر ثمَّ يَقُول أتنكر من هَذَا شَيْئا ظلمك كتبتي الحافظون فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول أَفَلَك عذر فَيَقُول لَا يَا رب فَيَقُول بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَة وَإنَّهُ لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم فَتخرج لَهُ بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول إِنَّك لَا تظلم فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وَلَا يثقل مَعَ اسْم الله شَيْء
قَالَ الْغَزالِيّ والقرطبي وَلَا يكون الْمِيزَان فِي حق كل أحد فالسبعون ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب لَا يرفع لَهُم ميزَان وَلَا يَأْخُذُونَ صحفا
الشَّفَاعَة
وَإِن الشَّفَاعَة حق وَهِي أَنْوَاع أعظمها الشَّفَاعَة فِي فصل الْقَضَاء وَإِلَّا
1 / 10
رَاحَة من طول الْموقف وَهِي مُخْتَصَّة بِالنَّبِيِّ ﷺ بعد تردد الْخلق إِلَى نَبِي بعد نَبِي الثَّانِيَة الشَّفَاعَة فِي إِدْخَال قوم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب قَالَ النَّوَوِيّ وَهِي مُخْتَصَّة بِهِ وتررد فِي ذَلِك التقيان ابْن دَقِيق الْعِيد والسبكي الثَّالِثَة الشَّفَاعَة فِيمَن بِهِ وَتردد فِيهِ النَّوَوِيّ وَقَالَ السُّبْكِيّ لم يرد تَصْرِيح بذلك وَلَا بنفيه الرَّابِعَة الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج من أَدخل النَّار من الْمُوَحِّدين ويشترك فِيهَا الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة والمؤمنون الْخَامِسَة الشَّفَاعَة فِي زِيَادَة الدَّرَجَات فِي الْجنَّة لاهلها وَجوز النَّوَوِيّ اختصاصها بِهِ السَّادِسَة الشَّفَاعَة فِي تَخْفيف الْعَذَاب عَمَّن اسْتحق الخلود فِي النَّار كَمَا فِي حق أبي طَالب وَفِي الصَّحِيح أَنا أول شَافِع وَأول مُشَفع وَإنَّهُ ذكر عِنْده عَمه أَبُو طَالب فَقَالَ لَعَلَّه تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي فَيجْعَل فِي ضحضاح من نَار
وروى الْبَيْهَقِيّ حَدِيث خيرت بَين الشَّفَاعَة وَبَين أَن يدْخل شطر أمتِي الْجنَّة فاخترت الشَّفَاعَة لِأَنَّهَا أَعم وأكفى أترونها لِلْمُتقين لَا وَلكنهَا للمذنبين المتلوثين الْخَطَّائِينَ
رُؤْيَته تَعَالَى
وَإِن رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ لَهُ تَعَالَى قبل دُخُول الْجنَّة وَبعده حق قَالَ تَعَالَى ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِن النَّاس قَالُوا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ رَسُول الله ﷺ هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَقَالُوا لَا يَا رَسُول الله فَقَالَ هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سحلب قَالُوا لَا يَا رَسُول الله قَالَ فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ كَذَلِك الحَدِيث وَفِيه إِن ذَلِك قبل دُخُول الْجنَّة
وروى مُسلم حَدِيث إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة يَقُول الله تَعَالَى أتريدون شَيْئا أَزِيدكُم فَيَقُولُونَ الم تبيض وُجُوهنَا ألم تُدْخِلنَا الْجنَّة وتنجنا من النَّار
1 / 11
فكشف الْحجاب فَمَا اعطشوا شيأ أحب اليهم من النّظر إِلَى رَبهم وَفِي رِوَايَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة ﴿للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة﴾ أَي فالحسنى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَيْهِ تَعَالَى وَيحصل بِأَن ينْكَشف انكشافا تَاما منزها عَن الْمُقَابلَة والجهة إِي إِلَيْهِ تَعَالَى أما الْكفَّار فَلَا يرونه لقَوْله تَعَالَى (٦ كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون) الْمُوَافق لقَوْله تَعَالَى ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ أَي لَا ترَاهُ الْمُخَصّص بِمَا سبق
الْإِسْرَاء والمعراج
وَإِن الْمِعْرَاج بجسد الْمُصْطَفى ﷺ إِلَى السَّمَاوَات بعد الاسراء بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس يقظة حق قَالَ الله تَعَالَى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ﴾ الْآيَة وَقَالَ ﷺ أتيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبيض طَوِيل فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه فركبته حَتَّى أتيت الْبَيْت الْمُقَدّس إِلَى أَن قَالَ ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَقيل كَانَ الاسراء والمعراج بِرُوحِهِ ﷺ لقَوْله تَعَالَى ﴿وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس﴾ وَلما رُؤْيا ابْن اسحق فِي السِّيرَة أَن مُعَاوِيَة كَانَ يَقُول إِذْ سُئِلَ عَن الاسراء كَانَت رُؤْيا من الله ﷿ صَادِقَة وَإِن عَائِشَة قَالَت مَا فقدت جَسَد رَسُول الله ﷺ وَإِنَّمَا أسرِي بِرُوحِهِ
وَأجِيب عَن الْآيَة بِأَن قَوْله تَعَالَى (فتْنَة للنَّاس يُؤَيّد أَنَّهَا رُؤْيا عين إِذْ لَيْسَ فِي الْحلم فتْنَة وَلَا يكذب بِهِ أحد وَقد صَحَّ أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول هِيَ رُؤْيا عين أريها وَقيل أَن الْآيَة نزلت فِي غير قصَّة الْإِسْرَاء
وَعَن قَول عَائِشَة بانها لم تكن حِينَئِذٍ زَوْجَة إِذا الْإِسْرَاء قبل الْهِجْرَة وَإِنَّمَا بني بهَا بعْدهَا
1 / 12
وَقيل كَانَ الْإِسْرَاء يقظة والمعراج مناما وَقيل كَانَ مرَّتَيْنِ مرّة يقظة وَمرَّة مناما وَقد بسطت ذَلِك فِي شرح الْأَسْمَاء النَّبَوِيَّة وروى كَعْب أَن الْمِعْرَاج مرقاة من فضَّة ومرقاة من ذهب وروى ابْن سعد أَنه مرصع بِاللُّؤْلُؤِ
نزُول عِيسَى
وَإِن نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم ﵇ قرب السَّاعَة وَقَتله الدَّجَّال حق فَفِي الصَّحِيح لينزلن ابْن مَرْيَم حكما عدلا فليكسران الصَّلِيب وليقتلن الْخِنْزِير وليضعن الْجِزْيَة الحَدِيث وروى الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده حَدِيث أَنا أولى النَّاس بِعِيسَى ابْن مَرْيَم فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ فانه رجل مَرْبُوع إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض كَأَن رَأسه يقطر مَاء وَلم يصبهُ بَلل إِنَّه يكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيفِيض المَال حَتَّى يهْلك الله فِي زَمَانه الْملَل كلهَا غير الأسلام حَتَّى يهْلك الله فِي زَمَانه مسيح الضَّلَالَة الْأَعْوَر الْكذَّاب وَتَقَع الأمنة فِي الأَرْض حَتَّى يرْعَى الْأسد مَعَ الْإِبِل والنر مَعَ الْبَقر والذئاب مَعَ الْغنم وتلعب الصّبيان مَعَ الْحَيَّات فَلَا يضر بَعضهم بَعْضًا يبْقى فِي الارض أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ يَمُوت وتصلى عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ ويدفنونه
وَفِي رِوَايَة إِنَّه يمْكث فِي الأَرْض سبع سِنِين وَقيل هِيَ الصَّوَاب وَالْمرَاد بالاربعين فِي الرِّوَايَة الأولى أَنَّهَا مُدَّة مكثه قبل الرّفْع وَبعده فَإِنَّهُ رفع وَله ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة
وَفِي صَحِيح مُسلم مَا بَين خلق آدم إِلَى قيام السَّاعَة خلق وَفِي رِوَايَة أَمر اكبر من الدَّجَّال وَفِي مُسْنده أَحْمد من حَدِيث جَابر يخرج الدَّجَّال فِي خفقة من الدّين وإدبار من الْعلم وَله أَرْبَعُونَ لَيْلَة يسيحها فِي الارض وَالْيَوْم مِنْهَا كالسنة وَالْيَوْم مِنْهَا كالشهر وَالْيَوْم مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ ثمَّ سَائِر أَيَّامه كأيامكم هَذِه وَله حمَار يركبه عرض مَا بَين اذنيه أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فَيَقُول للنَّاس انا ربكُم وَهُوَ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب يرد كل مَاء ومنهل إِلَّا الْمَدِينَة وَمَكَّة حرمهما الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَامَت الْمَلَائِكَة بأبوابهما وَمَعَهُ جبال من خبز وَالنَّاس فِي جهد الا من
1 / 13
أتبعه وَمَعَهُ نهران أَنا أعلم بهما مِنْهُ نهر يَقُول لَهُ الْجنَّة ونهر يَقُول لَهُ النَّار فَمن أَدخل الَّذِي يُسَمِّيه الْجنَّة فَهُوَ فِي النَّار وَمن أَدخل الَّذِي يُسَمِّيه النَّار فَهُوَ فِي الْجنَّة قَالَ وَيبْعَث مَعَه شياطين تكلم النَّاس وَمَعَهُ فتْنَة عَظِيمَة يَأْمر السَّمَاء فتمطر فِيمَا يري النَّاس وَيقتل نفسا ثمَّ يُحْيِيهَا فِيمَا يري النَّاس فَيَقُول للنَّاس أَيهَا النَّاس هَل يفعل مثل هَذَا إِلَّا الرب فيفر النَّاس إِلَى جبل الدُّخان بِالشَّام فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شَدِيدا ثمَّ ينزل عِيسَى ﷺ فَيَأْتِي فِي السحر وَيَقُول أَيهَا النَّاس مَا يمنعكم ان تخْرجُوا إِلَى هَذَا الْكذَّاب الْخَبيث فَيَنْطَلِقُونَ فَإِذا هم بِعِيسَى فتقام الصَّلَاة فَيُقَال لَهُ تقدم يَا روح الله فَيَقُول يتقدمكم إمامكم فليصلي بكم فَإِذا صلوا صَلَاة الصُّبْح خَرجُوا إِلَيْهِ فحين يرَاهُ الْكذَّاب ينماع أَي يذوب كَمَا ينماع الْملح فِي المَاء فيقتله حَتَّى إِن الشّجر وَالْحجر يُنَادي يَا روح الله هَذَا يَهُودِيّ فَلَا يتْرك مِمَّن كَانَ يتبعهُ أحد إِلَّا قَتله
وَفِي الصَّحِيح أَحَادِيث بِمَعْنى ذَلِك
رفع الْقُرْآن الْكَرِيم
وَإِن رفع الْقُرْآن حق روى ابْن مَاجَه من حَدِيث حُذَيْفَة يدرس الاسلام كَمَا يدرس وشي الثَّوْب حَتَّى لَا يدْرِي مَا صِيَام وَلَا صَلَاة وَلَا نسك وَلَا صَدَقَة ويسرى على كتاب الله فِي لَيْلَة فَلَا يبْقى فِي الأَرْض مِنْهُ آيَة
وروى الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ أقرأوا الْقُرْآن قبل أَن يرفع فَإِنَّهُ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يرفع قَالُوا هَذِه الْمَصَاحِف ترفع فَكيف مَا فِي صُدُور النَّاس قَالَ يغدي عَلَيْهِم لَيْلًا فيرفع من صُدُورهمْ فيصبحون يَقُولُونَ لكأنا مَا كُنَّا نعلم شَيْئا ثمَّ يقعن فِي الشّعْر قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَإِنَّمَا يكون هَذَا بعد موت عِيسَى وَبعد هدم الْحَبَشَة الْكَعْبَة
الْجنَّة وَالنَّار
ونعتقد أَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان الْيَوْم قبل يَوْم الْجَزَاء للنصوص الدَّالَّة على
1 / 14
ذَلِك نَحْو أعدت لِلْمُتقين أعدت للْكَافِرِينَ وقصة آدم وحواء فِي إسكانهما الْجنَّة وإخراجهما مِنْهَا وَأَحَادِيث الْإِسْرَاء وفيهَا أدخلت الْجنَّة وأريت النَّار وَفِي حَدِيث الشَّفَاعَة قَول آدم هَل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خطية أبيكم وَغير ذَلِك
الْجنَّة
ونعتقد أَن الْجنَّة فِي السَّمَاء وَقيل فِي الأَرْض وَقيل بِالْوَقْفِ حَيْثُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله وَالَّذِي اخترته هُوَ الْمَفْهُوم من سِيَاق الْقُرْآن والْحَدِيث كَقَوْلِه تَعَالَى فِي قصَّة آدم ﴿قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا﴾ وَفِي الصَّحِيح حَدِيث سلوا الله الفردوس فَإِنَّهُ أَعلَى الْجنَّة وفوقه عرش الرَّحْمَن وَمِنْه تفجر أَنهَار الْجنَّة وَفِي صَحِيح مُسلم ارواح الشُّهَدَاء فِي حواصل طيور خضر تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى قناديل معلقَة بالعرش وَأخرج أبونعيم فِي تَارِيخ أصفهان من طَرِيق عبيد عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر مَرْفُوعا إِن جَهَنَّم محطية بالدنيا وَإِن الْجنَّة من وَرَائِهَا فَلِذَا كَانَ الصِّرَاط على جَهَنَّم طَرِيقا إِلَى الْجنَّة
النَّار
ونقف عَن النَّار أَي نقُول فِيهَا بِالْوَقْفِ أَي محلهَا حَيْثُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَلم يثبت عِنْدِي حَدِيث أعتمده فِي ذَلِك وَقيل تَحت الأَرْض لما روى ابْن عبد الْبر وَضَعفه من حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو مَرْفُوعا لَا يركب الْبَحْر إِلَّا غاز أَو حَاج أَو مُعْتَمر فَإِن تَحت الْبَحْر نَارا وروى عَنهُ أَيْضا مَوْقُوفا لَا يتَوَضَّأ بِمَاء الْبَحْر لِأَنَّهُ طبق جَهَنَّم وَفِي شعب الْإِيمَان للبيهقي عَن وهب ابْن مُنَبّه إِذا قَامَت الْقِيَامَة أَمر بالفلق فَيكْشف عَن سقر وَهُوَ غطاؤها فَتخرج مِنْهُ نَار فَإِذا وصلت إِلَى الْبَحْر المطبق على شَفير جَهَنَّم وَهُوَ بَحر البحور نشفته أسْرع من طرفَة
1 / 15
الْعين وَهُوَ حاجز بَين جَهَنَّم وَالْأَرضين السَّبع فَإِذا نشفت فِي الارضين السَّبع فتدعها جَمْرَة وَاحِدَة
وَقيل هِيَ على وَجه الأَرْض لما روى عَن وهب أَيْضا قَالَ أشرف ذُو القرنين على جبل قَاف فَرَأى تَحْتَهُ جبالا صغَارًا إِلَى أَن قَالَ يَا قَاف أَخْبرنِي عَن عظمه الله تَعَالَى فَقَالَ إِن شَأْن رَبنَا لعَظيم وَإِن ورائي أَرضًا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام فِي خَمْسمِائَة عَام من جبال ثلج يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَلَوْلَا هِيَ لاحترقت من حر جَهَنَّم
وروى الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن عبد الله ابْن سَلامَة قَالَ الْجنَّة فِي السَّمَاء وَالنَّار فِي الأَرْض وَقيل محلهَا فِي السَّمَاء
الرّوح
ونعتقد أَن الرّوح بَاقِيَة بعد موت الْبدن منعمة أَو معذبة لَا تفنى وَأما محلهَا فَتقدم مَحل أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَأما غَيرهم فأرواح الْمُؤمنِينَ فِي عليين وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين وَلكُل روح بجسدها اتِّصَال معنوي
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَأما غَيرهم فَتَارَة تكون فِي الأَرْض على أفنية الْقُبُور وَتارَة تكون فِي السَّمَاء وَقد قيل أَنَّهَا تزور قبورها كل جُمُعَة وَقيل أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي الْجنَّة
ونعتقد أَن الْمَوْت بالاجل وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي كتب الله فِي الْأَزَل إنتهاء حَيَاته فِيهِ فَلَا يَمُوت أحد مقتولا كَانَ غَيره
ونعتقد أَن الْفسق لَا يزِيل الايمان فَيصير كَافِرًا وَلَا وَاسِطَة وَلَا تزيله أَيْضا الْبِدْعَة كإنكار صِفَات الله تَعَالَى وخلقه أَفعَال عباده وَجَوَاز رُؤْيَته فِي الْآخِرَة لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على التَّأْوِيل إِلَّا التجسيم وإنكار علم الله تَعَالَى الجزيئات فَإِنَّهُ يكفر بِلَا نزاع وَلَا نقطع بِعَذَاب من لم يتب وَمَات على
1 / 16
الْفسق لقَوْله ﴿وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء﴾ مخصصة لعمومات الْعقَاب
وَلَا يخلد إِذا عَذَاب أَي نقطع بِخُرُوجِهِ وإدخاله الْجنَّة وروى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ حَدِيث من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله نفعته يَوْمًا من دهره يُصِيبهُ قبل ذَلِك مَا أَصَابَهُ وَإِسْنَاده صَحِيح
أفضل الْخلق
ونعتقد أَن أفضل الْخلق على الأطلاق حبيب الله الْمُصْطَفى ﷺ قَالَ ﷺ أَنا سيد ولد آدم وَلَا آخر رَوَاهُ مُسلم وَقَالَ ابْن عَبَّاس أَن الله تَعَالَى فضل مُحَمَّدًا على أهل السَّمَاء والأنبياء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره وَأما حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ لَا يخيروني على مُوسَى وَلَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى فَمَحْمُول على التَّوَاضُع أَو على انه قبل أَن يعلم أَنه أفضل الْخلق وَوَصفه بِأَجل أَوْصَافه مَأْخُوذ من حَدِيث التِّرْمِذِيّ أَن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله أَلا وَأَنا حبيب الله لخليله إِبْرَاهِيم يَلِيهِ فِي التَّفْضِيل فَهُوَ أفضل الْخلق بعده نقل بَعضهم الْإِجْمَاع على ذَلِك وَفِي الصَّحِيح خير الْبَريَّة إِبْرَاهِيم خص مِنْهُ النَّبِي ﷺ فَبَقيَ على عُمُومه فموسى وَعِيسَى ونوح الثَّلَاثَة بعد إِبْرَاهِيم أفضل من سَائِر الْأَنْبِيَاء وَلم أَقف على نقل أَيهمْ أفضل
وهم أَي الْخَمْسَة أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل المذكورون فِي سُورَة الْأَحْقَاف أَي أَصْحَاب الْجد وَالِاجْتِهَاد فسائر الْأَنْبِيَاء أفضل من غَيرهم على تفَاوت درجاتهم بِمَا خص بِهِ كل مِنْهُم فالملائكة بعدهمْ فهم أفضل من بَاقِي الْبشر بعد الْأَنْبِيَاء وأفضلهم جِبْرِيل كَمَا فِي حَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فَأَبُو بكر الصّديق أفضل الْبشر بعد الْأَنْبِيَاء فعمر بن الْخطاب بعده فعثمان بن عَفَّان بعده فعلي بن أبي طَالب بعده قَالَ ابْن عمر كُنَّا نخير بَين النَّاس فِي زمن النَّبِي ﷺ فنخير أَبَا بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان رَوَاهُ البُخَارِيّ وَزَاد
1 / 17
الطَّبَرَانِيّ فَيعلم بذلك النَّبِي ﷺ وَلَا يُنكره وروى التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لأبي بكر وَعمر هَذَانِ سيدا كهول الْجنَّة من الْأَوَّلين والآخرين إِلَّا النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ
فباقي الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ أَي فالستة الْبَاقُونَ مِنْهُم نقل الْإِجْمَاع على ذَلِك أَبُو مَنْصُور التَّمِيمِي وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد بن عمر بن نفَيْل وَعبد الْعَزِيز بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة عَامر بن الْجراح روى أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ عَن سعيد أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ عشرَة فِي الْجنَّة أَبُو بكر فِي الْجنَّة وَعمر فِي الْجنَّة وَعُثْمَان فِي الْجنَّة وَعلي وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن وابو عُبَيْدَة وَسعد بن ابي وَقاص وَسَعِيد بن زيد فَأهل الْبَدْر أفضل الْأمة وعدتهم ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشرَة وَفِي الصَّحِيح لَعَلَّ الله أطلع على أهل بدر فَقَالَ أعملوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وروى ابْن مَاجَه عَن رَافع بن خديج قَالَ جَاءَ جِبْرِيل أَو ملك إِلَى النَّبِي ﷺ فَقَالَ مَا تَعدونَ من شهد بَدْرًا فِيكُم قَالُوا خيارنا قَالَ كَذَلِك هم عندنَا خِيَار الْمَلَائِكَة فأحد أَي فَأهل أحد الَّذين شهدُوا وقعتها يلون أهل بدر فِي الْفَضِيلَة فالبيعة اي فَأهل بيعَة الرضْوَان بِالْحُدَيْبِية يلون أهل أحد قَالَ ﷺ لَا يدْخل النَّار أحد مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ نقل الْإِجْمَاع على هَذَا التَّرْتِيب التَّمِيمِي فسائر الصَّحَابَة أفضل من غَيرهم قَالَ ﷺ لَا تسبوا أَصْحَابِي فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه رَوَاهُ مُسلم فباقي الْأمة أفضل من سَائِر الْأُمَم قَالَ تَعَالَى ﴿كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس﴾ وَقَالَ ﷺ أَنْتُم توفون سبعين أمة أَنْتُم خَيرهَا وَأَكْرمهَا على الله رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن على اخْتِلَاف أوصافهم مِنْهُم الْعَالم وَالْعَابِد وَالسَّابِق والتالي والمقتصد والظالم لنَفسِهِ
ونعتقد أَن أفضل النِّسَاء مَرْيَم بنت عمرَان وَفَاطِمَة بنت النَّبِي ﷺ
1 / 18
روى التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ حَدِيث حَسبك من نسَاء الْعَالمين مَرْيَم بنت عمرَان وَخَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وآسية امراة فِرْعَوْن وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَليّ خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان وَخير نسائها خَدِيجَة بنت خويلد وَفِي الصَّحِيح فَاطِمَة سيدة نسَاء هَذِه الْأمة وروى النَّسَائِيّ عَن حُذَيْفَة أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ هَذَا ملك من الْمَلَائِكَة اسْتَأْذن ربه ليسلم عَليّ وبشرني أَن حسنا وَحسَيْنا سيدا شباب أهل الْجنَّة وان أمهما سيدة نسَاء أهل الْجنَّة وروى الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ مَرْفُوعا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل يَا أهل الْجمع غضوا أبصاركم حَتَّى تمر فَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَفِي هَذِه الْأَحَادِيث دلَالَة على تفضيلها على مَرْيَم خُصُوصا إِذا قُلْنَا بالأصح أَنَّهَا لَيست نبية وَقد تقرر أَن هَذِه الْأمة أفضل من غَيرهَا وروى الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده بِسَنَد صَحِيح لكنه مُرْسل مَرْيَم خير نسَاء عالمها وَفَاطِمَة خير نسائها عالمها وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مَوْصُولا من حَدِيث عَليّ بِلَفْظ خير نسائها مَرْيَم وَخير نسائها فَاطِمَة قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل بن حجر والمرسل يُفَسر الْمُتَّصِل
وَأفضل أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أَي أَزوَاج النَّبِي ﷺ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ أَي فِي الْحُرْمَة والتعظيم خَدِيجَة بنت خويلد أول نسَاء النَّبِي ﷺ وَعَائِشَة الصديقة قَالَ ﷺ كمل من الرِّجَال كثير وَلم يكمل من النِّسَاء إِلَّا مَرْيَم وآسية وَفضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام وَفِي لفظ إِلَّا ثَلَاث مَرْيَم وآسية وَخَدِيجَة وَفِي التَّفْضِيل بَينهمَا أَقْوَال ثَالِثهَا الْوَقْف
عصمَة الانبياء
ونعتقد أَن الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام معصومون لَا يصدر ذَنْب لَا كَبِيرَة وَلَا صَغِيرَة لَا عمدا وَلَا سَهوا لكرامتهم على الله تَعَالَى بل وَمن الْمَكْرُوه لِأَن وُقُوع الْمَكْرُوه من التقي نَادِر فَكيف من النَّبِي
1 / 19
ونعتقد أَن الصَّحَابَة كلهم عدُول لأَنهم خير الْأمة قَالَ ﷺ خير أمتِي قَرْني رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (و) نعتقد أَن الشَّافِعِي إمامنا ومالكا وَأَبا حنيفَة وَأحمد وَسَائِر الْأَئِمَّة على هدى من رَبهم فِي العقائد وَغَيرهَا وَلَا إلتفات إِلَى من تكلم فيهم بِمَا هم بريئون مِنْهُ وَقد ورد فِي الحَدِيث التبشير بالشافعي وَمَالك فروى الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة حَدِيث لَا تسبوا قُريْشًا فَإِن عالمها يمْلَأ الأَرْض علما قَالَ الإِمَام أَحْمد وَغَيره هَذ الْعَالم هُوَ الشَّافِعِي بِأَنَّهُ لم ينتشر فِي طباق الأَرْض من علم عَالم قرشي من الصَّحَابَة وَغَيرهم مَا انْتَشَر من علم الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
وروى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَغَيره حَدِيث يضْربُونَ من عَالم الْمَدِينَة قَالَ سُفْيَان نرى هَذَا الْعَالم مَالك بن أنس وَمَا يُورد فِي ذكر أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى من الْأَحَادِيث فَبَاطِل كذب لَا أصل لَهُ ونعتقد أَن الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ من ذُرِّيَّة أبي مُوسَى الاشعري إِمَام فِي السّنة أَي الطَّرِيقَة المعتقدة مقدم فِيهَا على غَيره وَلَا التَّفَاوُت إِلَى من تكلم فِيهِ بِمَا هُوَ برىء مِنْهُ
ونعتقد أَن طَرِيق أبي الْقَاسِم الْجُنَيْد سيد الصُّوفِيَّة علما وَعَملا وصحبة طَرِيق مقوم فَإِنَّهُ خَال من الْبدع دائر على التَّفْوِيض وَالتَّسْلِيم والتبري من النَّفس مبْنى على الِاتِّبَاع للْكتاب وَالسّنة وَهَذَا آخر مَا أوردناه من أصُول الدّين وَمن تَأمل هَذِه الأسطر الْيَسِيرَة وَمَا أودعناه فِيهَا تحقق لَهُ أَنه لم يجمتع قبل فِي كتاب
علم التَّفْسِير
علم يبْحَث فِيهِ أَحْوَال الْكتاب الْعَزِيز من جِهَة نُزُوله وَسَنَده وآدابه وَأَلْفَاظه ومعانيه الْمُتَعَلّقَة بألفاظه والمتعلقة بِالْأَحْكَامِ وَغير ذَلِك وَهُوَ علم نَفِيس لم أَقف على تأليف فِيهِ لَاحَدَّ من الْمُتَقَدِّمين حَتَّى جَاءَ شيخ الْإِسْلَام جلال الدّين البُلْقِينِيّ فدونه ونقحه وهذبه ورتبه فِي كتاب سَمَّاهُ مواقع الْعُلُوم من مواقع النُّجُوم فَأتى بالعجب العجاب وَجعله خمسين نوعا على نمط أَنْوَاع عُلُوم الحَدِيث
1 / 20
وَقد استدركت عَلَيْهِ من الْأَنْوَاع ضعف مَا ذكره وتتبعت أَشْيَاء مُتَعَلقَة بالأنواع الَّتِي ذكرهَا مِمَّا أهمله وأودعتها كتابا سميته التحبير فِي علم التَّفْسِير وصدرته بمقدمة فِيهَا حُدُود مهمة ونقلت فِيهَا حُدُود كَثِيرَة للتفسير لَيْسَ هَذَا مَوضِع بسطها فَكَانَ ابْتِدَاء استنباط هَذَا الْعلم من البُلْقِينِيّ وَتَمَامه على يَدي
وَهَكَذَا كل مستنبط يكون قَلِيلا ثمَّ يكثر وصغيرا ثمَّ يكبر وينحصر فِي مُقَدّمَة وَخَمْسَة وَخمسين نوعا بِحَسب مَا ذكر هُنَا وأنواعه فِي التحبير مائَة نوع ونوعان الْمُقدمَة فِي حُدُود لَطِيفَة
الْقُرْآن حَده الْكَلَام الْمنزل على مُحَمَّد ﷺ للإعجاز بِسُورَة مِنْهُ فَخرج بالمنزل على مُحَمَّد ﷺ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب وبالإعجاز الْأَحَادِيث الربانية كَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ انا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَغَيره والاقتصار على الإعجاز وَإِن أنزل الْقُرْآن لغيره أَيْضا لانه الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي التَّمْيِيز
وَقَوْلنَا بِسُورَة هُوَ بَيَان لأَقل مَا وَقع بِهِ الإعجاز وَهُوَ قدر أقصر سُورَة كالكوثر أَو ثَلَاث آيَات من غَيرهَا بِخِلَاف مَا دونهَا وَزَاد بعض الْمُتَأَخِّرين فِي الْحَد المتعبد بتلاوته ليخرج مَنْسُوخ التِّلَاوَة وَالسورَة الطَّائِفَة من الْقُرْآن المترجمة أَي الْمُسَمَّاة باسم خَاص توقيفا أَي بتوقيف من النَّبِي ﷺ ذكر هَذَا الْحَد شَيخنَا الْعَلامَة الكافيجي فِي تصيف لَهُ وَلَيْسَ بصاف عَن الْإِشْكَال فقد سمى كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ سورا باسماء من عِنْدهم كَمَا سمى حُذَيْفَة التَّوْبَة بالفاضحة وَسورَة الْعَذَاب وسمى سُفْيَان بن عُيَيْنَة الْفَاتِحَة بالواقية وسماها حَيّ بن كثير كافيه وسماها آخر الْكَنْز وَغير ذَلِك مِمَّا بسطناه فِي التحبير فِي النَّوْع الْخَامِس وَالتسْعين
وَقَالَ بَعضهم السُّورَة قِطْعَة لَهَا أول وَآخر وَلَا يَخْلُو من نظر لصدقة على الْآيَة وعَلى الْقِصَّة ثمَّ ظهر لي رُجْحَان الْحَد الأول وَيكون المُرَاد بالتوقيفي الِاسْم الَّذِي تذكر بِهِ وتشتهر
وأقلها ثَلَاث آيَات كالكوثر على عدم عد الْبَسْمَلَة آيَة إِمَّا على عدم كَونهَا
1 / 21
من الْقُرْآن فِي كل سُورَة كَمَا هُوَ مَذْهَب غَيرنَا أَو على أَنَّهَا مِنْهُ لَكِنَّهَا لَيست آيَة من السُّورَة بل آيَة مُسْتَقلَّة للفصل كَمَا هُوَ وَجه عندنَا وَلَيْسَ فِي السُّور أقصر من ذَلِك وَالْآيَة طَائِفَة من كَلِمَات الْقُرْآن متميزة بفصل وَهُوَ آخر الْآيَة وَيُقَال فِيهِ الفاصلة ثمَّ مِنْهُ أَي من الْقُرْآن فَاضل وَهُوَ كَلَام الله فِي الله كآية الْكُرْسِيّ ومفضول وَهُوَ كَلَامه تَعَالَى فِي غَيره كسورة تبت كَذَا ذكره الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَهُوَ مبْنى على جَوَاز التَّفَاضُل بَين الْآي والسور وَهُوَ الصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُم مثل اسحق ابْن رَاهْوَيْةِ والحلومي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْعَرَبِيّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّه الْحق الَّذِي عَلَيْهِ جمَاعَة من الْعلمَاء والمتكلمين
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن الْحصار الْعجب مِمَّن يذكر الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك مَعَ النُّصُوص والواردة بالتفضيل كَحَدِيث البُخَارِيّ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن الْفَاتِحَة وَحَدِيث مُسلم أعظم آيَة فِي الْقُرْآن آيَة الْكُرْسِيّ وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ سيدة آي الْقُرْآن آيَة الْكُرْسِيّ وسنام الْقُرْآن الْبَقَرَة وَغير ذَلِك
وَمن ذهب إِلَى الْمَنْع قَالَ لِئَلَّا يُوهم التَّفْضِيل نقص الْمفضل عَلَيْهِ وَقد ظهر لي أَن الْقُرْآن يَنْقَسِم إِلَى أفضل وفاضل ومفضول لِأَنَّهُ الْكَلَام الله بعضه أفضل من بعض كفضل الْفَاتِحَة وَآيَة الْكُرْسِيّ على غَيرهمَا وَقد بَينته فِي التحبير
وَتحرم قِرَاءَته أَي الْقُرْآن بالعجمية أَي بِاللِّسَانِ غير الْعَرَبِيّ لِأَنَّهُ يذهب إعجازه الَّذِي أنزل لَهُ وَلِهَذَا يترجم الْعَاجِز عَن الاذكار فِي الصَّلَاة وَلَا يترجم عَن الْقُرْآن بل ينْتَقل إِلَى الْبَدَل وَتحرم بِالْمَعْنَى قِرَاءَته وَإِن جَازَت رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى لفَوَات الإعجاز الْمَقْصُود من الْقُرْآن
التَّفْسِير بالرأى
وَيحرم تَفْسِيره بِالرَّأْيِ قَالَ ﷺ من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ أَو بِمَا لَا يعلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَله طرق مُتعَدِّدَة لَا تَأْوِيله أَي لَا يحرم بالرأى للْعَالم بالقواعد والعارف بعلوم
1 / 22