إن ثبت لا دلالة فيه على جواز هذه النسبة فضلا عن رجحانها أو وجوبها وإلا لانتسب إليه وأمر بذلك، ولا ريب أن النبي والأئمة عليهم السلام لبسوا أكثر الملابس المباحة وأنواعها بحسب ما اقتضاه الحال، والقصد بيان الجواز والنص على نفي التحريم لأن البيان الفعلي أقوى من القولي وأرادوا الجمع بينهما غالبا ولا كلام في إباحة تلك الملابس، إنما الكلام في رجحانها وجواز الانتساب الخاص إليها.
فصل فإن قلت: قول الصدوق في عيون الأخبار وغيره: حدثنا فلان الصوفي وفي بعضها حدثنا فلان عن فلان الصوفي يدل على خلاف ما تقدم من أنه لم يكن أحد من الشيعة صوفيا؟
قلت: هذا يحتمل وجوها.
أحدها: أن يكون الصوفي هناك نسبة إلى بيع الصوف أو حياكته أو نحوهما لأن أكثر الرواة والعلماء كانت لهم صناعات وتجارات ينتسبون إليها ويعرفون ليتميزوا عمن يشاركهم في أسمائهم ولا قصور في ذلك ولا هو نسبة دينية ولا يترتب عليه مفسدة وجواز مثله معلوم قطعا وقد كان من أصحاب الأئمة عليهم السلام من ينسب إلى مثل هذا كالصيرفي والطاطري والشعيري والطيالسي والقلانسي وغيرهم، وفي ذلك رد على هؤلاء الصوفية المانعين من طلب الرزق لما هو مأثور من ثناء الأئمة عليهم السلام على جماعة منهم.
وثانيها: أن يكون نسبة إلى لبس الصوف من غير أن يكون اعتقادهم موافقا لاعتقاد الصوفية، إذ لم يكن معهودا كما يعلم بالتتبع، ومعلوم أن من أكثر من شئ أو لازمه حسن أن ينتسب إليه لغة وعرفا، وليست هذه نسبة دينية فتخرج عن موضع البحث.
وثالثها: أن يكون نسبة إلى قبيلة من قبائل العرب، فقد قال صاحب الصحاح:
Bogga 19