98

أو بأمر علام الغيوب .

ولا يجوز أن يظن عاقل أنه كان يتلوها عليهم من تلقاء نفسه ، لأنه تلاها على قوم هم مثله,أو مقاربون له في المعرفة بأحوال الكلام وأساليبه ، وبأحوال الفصاحة ، ولم يكن يجوز أن يأمن أن يأتي عدة منهم كل واحد منهم بمثله ، إما في الوقت ، وإما في مدة قصيرة أو طويلة ، فيظهر كذبه ويبين تقوله ، ويتسلق (¬1) به أعداؤه ، ويخذله أوليائه .

فإذا فسد ذلك ، صح أنه وارد من عند علام الغيوب تبارك وتعالى ، وإذا صح أنه من عنده عز وجل ، صح أنه معجز .

فإن قيل: أكثر ما ذكرتموه يكون تغريرا بالجاه ، ومن طلب مثل الأمر الذي طلبه فغير ممتنع أن يغرر بنفسه ، فضلا عن جاهه ، لأن التغرير بالنفس أعظم من التغرير بالجاه .

قيل له: التغرير بالنفس أيسر عند من طلب معالي الأمور ، من التغرير بالجاه ، لهذا تجد كثيرا من الناس يغرر بنفسه في الحروب للأنفة ، وكذلك تجد كثيرا ممن له علو الهمة ، يؤثر إعانة (¬2) النفس على التشويه بها .

على أن التغرير بالنفس أو بالجاه إن اختاره العاقل ، فليس يختاره إلا إذا لم يكن منه بد في الأمر الذي يطلبه .

Bogga 150