142

ومن أقسام الفصاحة: جزالة اللفظ ، وهي موجودة في جل القرءان وجمهوره ، وإن لم يوجد في جميعه - كما قلناه - في القسمين الأولين ، لأنه في قوة الطويل الذي يصرف على معاني مختلفة ، ومقاصد متباينة ، وأغراض متمايزة ، كالأوامر والنواهي ، والزواجر والمواعظ ، والوعد والوعيد ، والقصص والمثل ، أن يكون جميعه مؤلفا من ألفاظ جزلة ، لأن جزالته تكون لتأليفه من حروف مخصوصة ، والكلام مبني من الأسماء والأفعال والحروف ، وفي الكثير من الأسماء والأفعال والحروف ما لم يؤلف من الحروف التي تقتضي الجزالة ، والفصيح إذا صار إلى تلك الأسماء والأفعال والحروف ، فلا بد من إيرادها على ما هي عليه ، إذا كان متكلما بكلام العرب .

ولهذا لا يمكن في شيء من أشعار فحول الشعراء ، وكلام البلغاء ، أن يكون من أوله إلى آخره مؤلفا من ألفاظ جزلة .

فأما العذوبة فهي أمكن ، لأنها تكون بالتلاؤم ، وأن لا تكون الكلمة مؤلفة من حروف متنافرة ، وذلك أمكن من الجزالة ، وقد يكون ذلك بتلاؤم الحركات والسكنات ، كما يكون بتلاؤم الحروف ، وأما مواضعها من القرءان فأكثر من أن يأتي عليها الاحصاء والعد ، ونحن نذكر منها مواضع ننبه بها على ما سواها .

من ذلك قوله عز وجل: { كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17) } [البقرة] .

Bogga 194