106

ومن كان كذلك ، فمن المعلوم أنه لا يتعذر عليه الاتيان بمثل ما أتى به ، والعلم بهذا طريقه الضرورة ، فلا يصح أن يقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم يجوز أن يكون عدمه (¬5) ، وإذا كان ذلك معلوما ، فلا يجوز أن يظن العاقل خلافه ، لأن ذلك يصير من ظنون السودوس (¬1) ، الزائلين عن كمال العقل ، ونحن بنينا (¬2) دليلنا هذا على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كامل العقل ، وافر التحصيل ، صحيح التمييز ، على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحد به قومه الذين هم قرابته فقط ، بل عم التحدي جميع العرب ، بل جميع البشر ، فلو جاز أن يظن الانسان أنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن ذلك بقومه لمعرفته بكثير من أحوالهم ، وبواطن أمرهم - على بعد ذلك - فكيف يظن أنه ظن ذلك بسائر العرب ، مع كونه متباعدا عن ديارهم ، متنائيا عن ضبط أحوالهم ، وفيهم مثل: لبيد بن ربيعة ، وكعب بن زهير ، الذي جاءه صلى الله عليه وآله وسلم ، والأعشى ، وحسان ، وغيرهم من الفصحاء المشهورين ؟!

وإذا ثبت أن الأحوال كانت على ما ذكرناه ، صح ووضح أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يجوز أن يظن ذلك ، لوكان القول من عنده ، إذ كان يجب أن يكون المعلوم بخلاف ذلك . وفي بطلان ذلك دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عالما بتعذر ذلك عليهم ، لكونه من عند الله عز وجل .

Bogga 158