فَتَأمل ثمَّ مَا قد وَقع للْإنْسَان من إِجَابَة الدَّعْوَات وكشف الكربات وَستر العورات وتيسير الضرورات وَقَضَاء الْحَاجَات وكشف المشكلات والالهام فِي المعارف الخفيات والاشارات المرشدات فِي المنامات الصادقات وَفِي هَذَا يَقُول ابْن الفارض شعرًا
(وَقل لي من ألْقى إِلَيْك علومه ... وَقد ركدت مِنْهُ الْحَواس لغفوة)
وَقد احْتج بذلك الْغَزالِيّ وعارض بِهِ الفلاسفة فِي إحالتهم لعلم الْغَيْب وَهَذِه الْأَشْيَاء إِذا ضمت إِلَى الْبَرَاهِين حصل من مجموعها قُوَّة بَقينَ كَثِيرَة وَلَقَد قَالَ الْغَزالِيّ أَنه حصل لَهُ يَقِين قوي بالمعاد من مَجْمُوع براهين وقرائن وتجارب
ثمَّ الْيَقِين بعد هَذَا كُله من مواهب الله تَعَالَى فَإِن أنعم الله بِهِ عَلَيْك فَكُن من الشَّاكِرِينَ وَإِن عرض لَك الشَّك بعد هَذَا كُله فاحذر أَن يكون ذَلِك عُقُوبَة بذنب كَمَا نبه الله على ذَلِك بقوله ﴿فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين﴾ وَقَوله ﴿سل بني إِسْرَائِيل كم آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة وَمن يُبدل نعْمَة الله من بعد مَا جَاءَتْهُ فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب﴾ فافزع إِلَى الله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار والتضرع والتذلل وَطلب أَسبَاب الرقة والتخويف الْعَظِيم لنَفسك من الْوُقُوع فِي الشقوة الْكُبْرَى بِعَذَاب الْآخِرَة فَإِن من طبائع النُّفُوس الْإِيمَان عِنْد شدَّة الْخَوْف وَلذَلِك آمن قوم يُونُس لما رَأَوْا الْعَذَاب وآمن فِرْعَوْن حِين شَاهد الْغَرق وَقد نبه الله على ذَلِك بقوله ﴿بل هم فِي شكّ من ذكري بل لما يَذُوقُوا عَذَاب﴾ وَلذَلِك يرجع كثير من الْعُقَلَاء عِنْد الْمَوْت عَن عقائد وقبائح وشبهات كَانُوا مصرين عَلَيْهَا وَلَيْسَ ذَلِك لتجلي برهَان حِينَئِذٍ بل لِأَن الطَّبْع القاسي كَانَ كالمعارض للبرهان فَلَمَّا لِأَن بَقِي الْبُرْهَان بِلَا معَارض وَكَذَلِكَ لَو شَاهد فِرْعَوْن وَغَيره أعظم برهَان بِغَيْر خوف مَا آمنُوا قَالَ الله تَعَالَى ﴿فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾
1 / 59