ثمَّ احداث اللَّبن فِي ثدي الْأُم من يَوْمئِذٍ من بَين قرث وَدم وتربية الْمَوْلُود وفهمه للغة أَهله مَا كَانَت فصيحة عَرَبِيَّة أَو عبرية عجمية مَعَ كَثْرَة قَوَاعِد الْعَرَبيَّة وَكَثْرَة اخْتِلَاف عوامل الاعراب والعاقل الْمُمَيز يقف أَضْعَاف تِلْكَ الْمدَّة بَين الْعَرَب والعجم فَلَا يعرف من ذَلِك مَا عرف الصَّغِير وَلَا يدْرِي مَا يَقُولُونَ بِمُجَرَّد المخالطة كالطفل الَّذِي لَا عقل لَهُ وَلَا تَمْيِيز وَكَذَلِكَ العجمي بَين الْعَرَب ثمَّ يترقى إِلَى حَال التَّمْيِيز وتتعاقب عَلَيْهِ الْأَحْوَال من الصغر وَالْكبر والضعف وَالْقُوَّة والشباب والشيب وَالْعقل والذكاء والبلادة وَالْمَرَض وَالصِّحَّة والشهوة والنفرة والدواعي والصوارف والعسر واليسر والغنى والفقر وضده من غير اخْتِيَار مِنْهُ فِي شَيْء من ذَلِك فلابد لهَذِهِ التغيرات من مغير قَادر عليم مُدبر حَكِيم
وَقد صنفت فِي هَذَا الْمَعْنى كتب علم التشريح وَبَيَان كَيْفيَّة الْخلقَة وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي الْوُقُوف عَلَيْهِ أَو على شَيْء مِنْهُ وَقد نقل ابْن الْجَوْزِيّ مِنْهُ جملَة شافية فِي أول كِتَابه لقط الْمَنَافِع فِي الطِّبّ فليطالع فِيهِ فَلَو جَازَ أَن يكون مثل هَذَا بِغَيْر صانع لجَاز أَن تصح لنا دور معمورة أَو مصاحف مَكْتُوبَة أَو ثِيَاب محوكة أَو حلى مصوغة بِغَيْر بَان وَلَا كَاتب وَلَا حائك وَلَا صائغ فَمَا خص خير الْخَالِقِينَ بَان يكفر وَلَا يدل عَلَيْهِ أثر صَنعته العجيبة وخلقته البديعة وَلَو كَانَ هَذَا الْأَثر للطبع كَمَا قَالَ كثير من الفلاسفة لَكَانَ أثرا وَاحِدًا كَمَا لَو جمدت النُّطْفَة بطبع الْبرد أَو ذَابَتْ أَو أنتنت
قَالَ الامام الْمُؤَيد بِاللَّه فِي الزِّيَادَات أَن الطَّبْع ان سلمنَا وجوده لَا يحصل بِهِ الشَّيْء على قدر الْحَاجة وَإِنَّمَا يكون بِمِقْدَار قوته وَضَعفه أَلا ترى أَن النَّار تحرق لَا على قدر الْحَاجة بل على قدر قوتها وتنقص عَن الْحَاجة إِذا ضعفت وَكَذَلِكَ المَاء الْجَارِي والحكيم يجريه ويقطعه على قدر الْحَاجة اه كَلَامه وَفِيه تَنْبِيه حسن على الْفرق الْجَلِيّ
1 / 48