-200- أن يصح عقله إلا بعلم ، وبأي العلم ، أدى ما قد لزمه فقد علم ذلك وأحكمه ، وأدى الفرض اللازم من ذلك ، ومتى بلغ إلى علم ذلك بأي وجه فأداه ، فقد أطاع إلهه بذلك وأرضاه ، وصح له ذلك العمل وكفاه ، وهذا معنى من دين الله خوطب العبد فيه بالعمل لا العلم ، غير أن العلم دلالة على العمل ، ولا يكون فيه التعبد بالعلم ، وإنما التعبد فيه بالعمل .
فصل : ومعنى ثالث من دين الله ، وهو جميع ما تعبد الله به عباده ، من ترك معصيته من المحارم والمآثم ، فانما وقع التعبد بنفس الترك والانتهاء وغير ذلك ، فاذا حصل من المتعبد الانتهاء عن محارم الله ، إذا عارضته وامتحن بها في أي الأفات ابتلي بها ، فاذا تركها فلم يركبها بقول أو عمل ، وكانت مما فيه الفرض ألا يقال فيها بالباطل ، أو يعمل فيها بالباطل ، فاذا لم يأت ذلك العبد بقول أو عمل أو نية فلا حجة عليه في علم ذلك ، وإنما وجب عليه العلم لينتهي عن ذلك المحرم عليه ، ويترك ذلك المنهي عنه ، وإنما كان العلم هاهنا ، لأنه لا يجهل ، فيقول على الله بغير الحق ، أو يعمل ، فاذا سلم من ذلك في حال جهله ، فلا يجب عليه العلم لذلك كله أبدا ، وهو سالم بجهله ، ما لم يركبه أو يتولى راكبه ، أو يبرأ من العلماء إذا برئوا من راكبه ، أو يقف عنه ، فإذا فعل ذلك ضاق عليه جهل ذلك ، وكان ذلك مما لا يسعه جهله ، لأن الميثاق أخذ عليه ، ألا يركب ذلك بجهل ولا بعلم ، فاذا ركبه لم يسعه ذلك ، وكان ذلك هو موضع ما لا يسع جهله ، فيما كلف تركه إذا لم يتركه ، وكان موضع مالا يسع جهله فيما كلف العمل به إذا لم يعمل به وضيعه ، وكان موضع لا يسع جهله فيما كلف علمه إذا لم يعلمه في موضهع ما كلف علمه ، وكل ذلك في أصل دين الله لا يسع جهله ، إذا وجب له التعبد به وفيه ، وكل ذلك ممايسع جهله من دين الله مما لا يجب التعبد به وفيه ، فافهموا المعاني التي قلنا إنها أصول لجميع دين الله ، وأن جميع دين الله لا يخلو منها ولا يعدوها ، وأنها كلها في أصل دين الله لا يسع جهلها في موضع
Bogga 201