-192- يسأله هو بنفسه ، ويلقاه ويراه ويسأله عن علم كل ما لزمه بعينه .
فان قال : نعم ، ولن يقدر أن يقوله ، وأرجو أن يقطع الله عذره دون هذا ويقطع دابره ، أن في ذلك بما يكني به العالم كلهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان في عصره وزمانه بعد ما نسخ الهجرة وقبل الهجرة يسلم كل من الناس في مسكنه ووطنه ، ولا يلزمه خروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لزمه في الهجرة الخروج ، فانما الهاجرة أن يهاجر من أرض الشرك إلى أرض الاسلام ، ولم يكن أرض إسلام إلا المدينة ، وكانت المدينة هي دار إسلام ، وسائر الدور، والأمصار دار كفر ، الغالب عليها الشرك ، فانما امتحن الله العباد بالهجرة لمعنى الخروج من بين ظهراني أهل الشرك إلى دار الاسلام ، لا لمعنى أن الحجة لا تقوم إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاسلام ، ولو كان ذلك كذلك ، ولا تقوم حجة الا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما كانت تقوم لله حجة على من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، بل قد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يسلموا الناس في المدينة ، وفي مكة وفي الأمصار ، يسلمون على أيدي آبائهم وأرواحهم ، ومن دعاهم إلى الإسلام ويقبل منهم ذلك ، ولا يرون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يراهم ، وصح أن العلماء كافوا يفتون في المدينة ، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يأمرون بالإسلام وبالإيمان ، وكانت الحجة تقوم بغير النبي صلى الله عليه وسلم وان كان الاسلام بالنبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به غير سائر المسلمين ، ولا يقرب إلى هذا القول في وجه من الوجوه ، لولا طول الكتاب أكثر مما قد طال ورجاء أنه ألا يعتل في هذا بعلة ، لأوضحنا من الحجج في ذلك ما فتح الله ، ولكن لا يدعي في ذلك إن شاء الله دعوى .
فصل : وان قال : بل قد كان في أيام النبي صلى الله عليه وسلم الحجة تقوم بالحق بغيره من المعبرين من المسلمين .
قيل له : فما أعظم منزلة في الإسلام ، وأجل قدرا في الأحكام النبي صلى الله عليه وسلم أو فلان وفلان فلن يقدر أن يقول الا النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه إن قال غير ذلك خاف على نفسه أن يقتل قبل أن يتكلم .
Bogga 193