فلم يزالوا يدارونه ويعدونه ويمنونه إلى أن أجاب وقبل منهم وتركهم ونفذ في ذلك الوجه، فلم يقنع أبو بكر بمعصيته لله ولرسوله بتخلفه عن جيش أسامة حتى بعث عمر على معصية الله ورسوله بما أمره به من التخلف عن أسامة لأن الأمة مجتمعة على أن من عصى الرسول وخالفه فقد عصى الله وأن معصية الرسول بعد وفاته كمعصيته في حياته.
(ومن عجائب بدعه) أنه لما حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلمه في الاستيلاء عليه لعمر من بعده وطالب الناس بالبيعة والرضا به كره بذلك من كره ورضي به من رضي، وقد أجمعوا في روايتهم أن الغالب من الناس يومئذ الكراهة فلما أكثروا عليه في ذلك وخوفوه من الله قال أبا الله تخوفوني، إذا لقيته قلت له استخلفت فيهم خيرا، فقد تقلد من الإثم ما جعله لعمر بعده مثل الذي تقلده منه في حياته ولزمه وزر ما جرى في أيام عمر من تصيره ذلك إليه من غير أن ينقص عمر من ذلك شيئا إذ ملكه ما لم يكن هو له، وقوله أبالله تخوفوني، فليس يخلو حاله في ذلك من أحد وجهين إما أن يكون قال هذا لأنه لا يخاف الله في حياته لأنه تقي نفي زكي مخلص زاهد عن كل زلة وهفوة وظلم وزلل، وقائل هذا ومعتقده عاص عصى الله متعمدا أو خالفه ذاكرا فكفى له به خزيا إذ يقول الله عز وجل في كتابه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) فمن زكى نفسه بعد هذا فقد خالف الله تعالى في نهيه، أو أن يكون أراد بقوله (أبالله تخوفوني) أي إنه لا يخاف الله تعالى تعظيما واستكبارا ومعتقد هذا كافر بغير خلاف، وقوله أنه يقول الله أنه استخلف على عباده خيرهم، فإن أجابه الله بأن يقول له ومن جعل إليك ذلك ومن أمرك به ما تكون حجته على الله سبحانه عند ذلك إن هذا إلا جهل واختباط وغفلة وإفراط، ثم ختم بدعته بالطامة الكبرى والمعصية العظمى بأن أمر في وقت وفاته أن يدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته حتى اقتدى به عمر في ذلك فامتثل فيه مثل ما فعله، ومن عقل وميز
Bogga 22