ثم ينقل بالحرف من كتاب ملوك (18: 13-19) ويدونه في إشعيا (36: 39)، ناهيك عن كون الإصحاحات من 36 إلى 39 «تتحدث عن النبي إشعيا بضمير الغائب، أما نبوءته بدخول قورش بابل فهو أمر كان يستطيع أي شخص أن يتنبأ به»؛ لذلك قام يكتبه وينسبه إلى النبي إشعيا.
ولما أفرج قورش عن المسبيين بعد سقوط بابل، لم يتحمس اليهوذيون الأسرى للعودة من رفاهية بابل وخيرات الفرات، بل لقد رأى بعضهم «أن رب بابل مردوك أقوى كثيرا من يهوه الذي يملك على مقاطعة فقيرة وشعب جاهل ومتخلف». إضافة إلى أنهم هناك تزاوجوا من الرافديات وتاجروا وأثروا بل وأصبحوا يحملون أسماء بابلية ويسلكون بعادات البابليين، ولم يجد إشعيا الثاني آذانا صاغية لدعوته بالعودة وإقامة الهيكل والمدينة المقدسة، فقام ينادي بقول يهوه المكلوم:
هو ذا من أجل آثامكم قد بعتم، ومن أجل ذنوبكم طلقت أمكم، لماذا جئت وليس إنسان؟ ناديت وليس مجيب؟ هل قصرت يدي عن الفداء وهل ليس في قدرة للإنقاذ. (إشعيا، 50: 1-2)
ويؤكد إشعيا الثاني لشعبه أن بابل سوف تذهب إلى السبي كما ذهبت يهوذا بل إن آلهة بابل نفسها سيتم الإطاحة بها ويحملونها معهم إلى سبيهم؛ لأنها مجرد أصنام تعجز عن حماية أتباعها بعكس يهوه المنقذ؛ فيقول عن بعل/بيل والرب نبو البابلي:
قد جثا بيل، انحنى نبو، صارت تماثيله على الحيوانات والبهائم ... قد انحنت، جثت معا، لم تقدر أن تنجي. أنت تنجي الحمل وهي نفسها قد مضت في السبي . (إشعيا، 46: 1-2)
لا يعلم الحاملون خشب صنمهم والمصلون لإله لا يخلص. (إشعيا، 45: 20)
أليس أنا يهوه ولا إله آخر غيري وبعدي لا يكون؟ (إشعيا، 43: 10)
وأنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري. (إشعيا، 44: 6) «لقد سجل إشعيا الثاني مجده بدءا من تلك اللحظة عندما جعل من يهوه ربا واحدا مطلقا عالميا دون منافس». ثم ينتقل في تبرئه يهوه مما حدث لشعبه نقلة أخرى، «فيهوه لم يعاقب شعبه لأنه أسوأ من الشعوب الأخرى بل لأنه الأفضل»، الشعوب الأخرى تضرب في ظلمات الوثنية أما الشعب المختار فقد استضاء عقله وطريقه بشريعة يهوه؛ لأنه المختار ليكون «نورا للأمم» (إشعيا، 42: 6). والجهل راحة والمعرفة عذاب وهذا شأن أقوياء الروح ودورهم في التاريخ؛ أن يتحملوا جهل الآخرين وذنوبهم على عاتقهم ويتعذبون بسببهم. إن الشعوب الجاهلة تزدري شعب الرب وتشمت فيه وتعذبه (إشعيا، 51: 23). لكن كل هذا هو الثمن النبيل المدفوع سلفا للمجد الآتي؛ لأن شعب الرب عندما يصل إلى ختام أداء رسالته سوف يصبح أعظم العالمين بقرار يهوي، وستعلم الشعوب الأخرى أن شعب الرب قد تعذب من أجل خلاصها، وأطاعت إسرائيل ربها بعبودية ووفاء. «وتبدأ كلمة العبودية لله تظهر في أفق العقيدة اليهودية لتطلق على أحباره وأنبيائه» (عباد الله جمع عبد الله)، لتؤثر بعد ذلك في الصيغ النبوية التي «سنسمع لها صدى في الزمن الآتي تردد أن النبي ليس سوى عبد لله مبلغ ونذيرا»، يقول إشعيا الثاني:
أما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته ... الذي ... دعوته وقلت له أنت عبدي، اخترتك ولم أرفضك ... لأني إلهك. (إشعيا، 41: 8-10)
اذكر هذه يا يعقوب، يا إسرائيل فإنك أنت عبدي، قد جبلتك عبدا لي أنت يا إسرائيل، لا تنس مني، قد محوت كغيم ذنوبك، وكسحابة خطاياك، ارجع إلي لأني قد فديتك (يقصد الرجوع من بابل إلى أورشليم دون التأويل). (إشعيا، 44: 21-22)
Bog aan la aqoon