دور الرجعة إلى موطنهم: كان رجوعهم إلى فلسطين على يد الفرس، وقد انصب حماسهم في إعادة بناء الهيكل ... وفي هذه الفترة وضعت أكثر أسفار التوراة، كما نعرفها حتى يومنا هذا ... وهذه الفترة كانت فترة نضوج اليهودية الرسمية التقليدية. (5)
دور وقوعهم تحت الهلينية: وقعت فلسطين تحت حكم الإغريق عند أواخر القرن الرابع ق.م، فنشأت حرب فكرية عقائدية بين الإغريق واليهود ... وقد اشتد العداء واستفحل، فنشبت بينهم حروب دامية تعرف بحروب المكابيين ... وقرر أنطيوخس أبيفانس أن يمحو اليهودية من الوجود، فجرد عليهم طيطس الروماني عام 70 للميلاد حملة كبيرة، كانت القاضية، فخرب الهيكل وأحرقه، وتشتت اليهود في جميع أنحاء المعمورة.»
21 (8) أحداث الدخول في الطور الإيلي الإبراهيمي
تبدأ الأحداث في الأصل، بنزول إسرائيل (وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) إلى مصر، بصحبة بنيه من الأسباط الأحد عشر، بعد أن استدعاهم ولده الأثير، السبط الثاني عشر (يوسف عليه السلام)، والذي سبق أن بيع رقيقا في مصر، بعد مؤامرة من أشقائه لاستبعاده، كي يخلو لهم وجه أبيهم، وفي مصر تقلبت به الأحوال، حتى انتهى وزيرا لخزانة المصريين.
وتقول التوراة: إن بني إسرائيل قد قضوا في مصر 430 عاما، لكنها لا تحدثنا إطلاقا، عما جرى لبني إسرائيل هناك طوال تلك السنين، رغم ميلها المعهود إلى التفصيل والتكرار الممل، فقط تبدأ التوراة عادتها، بالشرح والتفصيل والتكرار كدأبها، مع ظهور النبي موسى عليه السلام، الذي قدر له أن يقود بني إسرائيل في رحلة خروج أو هروب كبرى إلى فلسطين.
ومن المشكلات العصية على أي باحث، هو محاولة القطع بشأن الزمن الذي بدأ فيه ظهور القبيلة الإسرائيلية أصلا، على صفحات التاريخ، مع جدهم البعيد إبراهيم، وإن كان الأقرب للقبول افتراضا، هو تواجد الجد إبراهيم عليه السلام خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد، وذلك وفق مقاربات افتراضية، تستند إلى رواية توراتية، تتحدث عن مهاجمة فرعون مصري لمملكة إسرائيل بعد موت ملكها سليمان مباشرة، وقد ذكرته التوراة باسم «شيشق»، ولأن تاريخ مصر المدون في آثارهم، حدثنا عن فرعون باسم «شيشنق»، وأنه كان صاحب حملات على بلاد الشام وفلسطين، فقد تم لأول مرة محاولة ضبط التاريخ الإسرائيلي متوافقا التاريخ المصري، «وتم التزمين الافتراضي لزمن سليمان، بمطابقته مع زمن شيشنق الأول أو «شيشق» الذي عاش حوالي 1000ق.م»؛ وعليه فقد وضعت خطة ترتب الأزمنة والأحداث والشخصيات التاريخية الهامة، ارتجاعيا، بدءا من زمن شيشنق الأول وسليمان، وفق سياق افتراضي يصل في النهاية إلى زمن الجد إبراهيم عليه السلام.
وإن الأحداث التي تتعلق بحدثي الدخول والخروج، يمكن تقسيمها بين مرحلتين أو طورين، هما الطور الإيلي الإبراهيمي، وخلاله تم حدث الدخول، ثم الطور الثاني اليهوي أو الموسوي وخلاله ثم حدث الخروج؛ وعليه فإن أحداث الدخول، هي تلك التي تبدأ بزمن الجد إبراهيم، وتنتهي بظهور النبي موسى على الأحداث؛ حيث يبدأ بعد ذلك حدث الخروج.
ويتضح من رواية «الكتاب المقدس»، أن تلك الجماعة قد عاشت هذا الطور في حالة من التبدي والارتحال الدائمين، وكان إبراهيم عليه السلام راعيا للمواشي، كذلك كان أبناؤه هبوطا من إسحاق إلى يعقوب. وهو ما يتضح في قول يوسف عندما استقبل إخوته بمصر «... ثم قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه: أصعد وأخبر الفرعون وأقول له: إخوتي وبيت أبي الذين في أرض كنعان جاءوا إلي ، والرجال رعاة غنم؛ فإنهم كانوا أهل مواش، وقد جاءوا بغنمهم وبقرهم وكل ما لهم، فيكون إذا دعاكم فرعون وقال ما صناعتكم، أن تقولوا: عبيدك أهل مواش منذ صبانا إلى الآن، نحن وآباؤنا جميعا. لكي تسكنوا أرض جاسان؛ «لأن كل راعي غنم رجس للمصريين»» (تكوين، 46: 31-32).
لكن ثمة إشارات غامضة في مصر ما بين يوسف وموسى، غلب عليها حكاية الاضطهاد، لكن عملهم قبل ذلك أيام فرعون يوسف كان رعاية مواشي الفرعون، أو كما جاء بالكتاب المقدس «فكلم فرعون يوسف قائلا: أبوك وإخوتك جاءوا إليك أرض مصر، قدامك في أفضل أرض أسكن أباك وإخوتك، ليسكنوا في أرض جاسان، وإن علمت أنه يوجد بينهم ذوو قدرة، فأجعلهم رؤساء مواش على التي لي» (تكوين، 47: 5-6).
هذا إضافة إلى ما يظهره السرد التوراتي لحياة إبراهيم ونسله في أرض كنعان، وأنها كانت ارتحالا دائما وراء الكلأ؛ حيث تجد النغمة السائدة «ثم ارتحل إبراهيم ارتحالا متواليا» (تكوين، 12: 19)، دونما استقرار؛ فلم يعرفوا سكن البيوت، بل سكنوا في خيام متنقلة، وعادة ما كان الرب يظهر لإبراهيم وهو يقضي القيلولة أمام خيمته «وظهر له الرب عند بلوطات ممرا، وهو جالس في باب الخيمة، وقت حر النهار» (تكوين، 18: 15).
Bog aan la aqoon